مِن المعلوم بأنَّ السلطة الفلسطينية تحكم في الضفة الغربية المحتلة ليس بِمشروعية الانتخاب، خاصة وأنّ شرعيتها السياسية برئيسها محمود عباس الذي يُهيمن على كل مفاصل السلطة قد انتهت مدة ولايته القانونية وأصبحت فترة حكمه وتولِّيه لرأس هرم السلطة منتهية وفاقدة للصلاحيات السياسية منذ عام 2009، بل ويعتبر وجوده مُخالفًا للقانون ومُتعاليًا عليه لأنه يستفرد به ويتغول على القرار السياسي الفلسطيني ويرفض تجديد الشرعيات عبر إجراء الانتخابات بكل مراحلها، وتعتمد سلطته على وجودها بقوة السلاح والقبضة الأمنية التي تُشرَّع فقط بوجوه الفلسطينيين والمُعارضين لِسياساتها المُتبعة بحقِّ القضية الفلسطينية، والتي شهدت تنازلًا خطيرًا عن الثوابت الوطنية الفلسطينية المقدسة منذ لحظة قدومها وتوقيعها اتفاقية أوسلو وما نتج عنها من تداعيات أعطت اعترافًا بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وإلى يومنا هذا من تزايد الاستيطان والتهويد والمستوطنات التي التهمت أراضي واسعة من الضفة الغربية المحتلة بجانب التنازلات الأخرى يُضاف إليها قضايا الفساد المعروفة لدى الرأي العام الفلسطيني.
ويُقال بأنّ الاحتلال "الإسرائيلي" والسلطة وجهان لعملةٍ واحدة، فما صحة هذا القول؟
المُتابع للمشهد السياسي في الضفة الغربية المحتلة يتأكد بأنّ السلطة تُمارس دورًا وظيفيًا كبيرًا يخدم الاحتلال الصهيوني ويُحقّق أجندته ويعمل على إطالة أمد احتلاله لأرض فلسطين، خاصة مع مُلاحقاتها الأمنية واعتقالاتها المتكررة للمجاهدين والشرفاء الأحرار في الضفة الغربية وإحباطها لعمليات فردية ضد العدو الصهيوني وقطعان مستوطنيه، وتأتي محاولاتها المستمرة للحفاظ على أمن وسلامة المستوطنين، في مُقابل الفلتان الأمني المُستشري في أرجاء الضفة وانتشار سلاح العوائل في المشاكل والاقتتال الداخلي، والذي غالبًا ينتُج بسبب عربدة عناصر تابعة لأجهزة أمن السلطة كما حدث سابقًا في عدة قضايا وخلافات منها قضية حرم الجامعة العربية الأمريكية في جنين والتي أدّت في حينها إلى مقتل الطالب مهران خليلية.
لذلك ثبت صحة هذا القول، واتضح من خلال مُمارساتها الإقصائية التعسفية ومواصلتها جريمة الاعتقال السياسي بحقّ الشباب الفلسطيني الثائر أو حتى المعارض لسياسات الفساد المتفشية داخل منظومة السلطة.
ورغم كل الجهود والمحاولات التي تقوم بها سلطة أوسلو لإخماد ثورة الضفة وملاحقة الثوار إلا أنهم يُسجِّلون ضربات نوعية في عمق الكيان الصهيوني الغاصب، وليس آخرها عملية القدس المزدوجة، والتي أسفرت عن مقتل 2 من الصهاينة وإصابة 23 آخرين بحسب صحيفة هآرتس العبرية.
وأمام هذه المرحلة المُتجددة لِعودة العمليات البطولية في الضفة الغربية المحتلة، باتت السلطة تشعر بأنّ وجودها واستقرارها في الضفة يدخل حيز التهديد والخطر، وفي إثره لا تزال تُواصل حملات اعتقالاتها السياسية، بل ويتزايد معها انتهاكاتها المتواصلة بِحقِّ الشباب الفلسطيني المقاوم منهم المطارد للاحتلال مصعب اشتية ورفيقه عميد طبيلة المعتقلين داخل مسلخ أريحا التابع لأجهزة سلطة محمود عباس لليوم 69 على التوالي.
ونتيجة هذه الإجراءات والسياسات التي تتبعها السلطة، يتأكد بأنَّ وجودها في الضفة الغربية المحتلة لم يعُد يُشكّل أي مصدر أمان أو نفع يعود على الفلسطينيين الذين يُعانون الويلات من الاحتلال الصهيوني إلى جانب الهم والعبء السياسي الأكبر ألا وهو وجه السلطة المُوجود لخدمة الاحتلال الصهيوني وتثبيت دعائم وجوده التي بدأت تنهار تدريجيًا مع تزايد وتيرة العمليات في أنحاء مختلفة من مدن الضفة الغربية المحتلة مع عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم والذي يُمثّل اليمين الصهيوني المتطرف، وبلا شك فإنّ مسألة إقصاء السلطة وتهميشها وارد في حسابات الأوساط اليمينية الصهيونية والاعتبار لوجودها فقط من الجانب الأمني، وذلك لمنع وقوع العمليات الفدائية والمحافظة على أمن المستوطنين الصهاينة، ومع كل المحاولات التي تبذلها السلطة لأجل خدمة الاحتلال إلا أنّ الواقع السياسي في الضفة يقول بأنّ مؤشر ضعفها وعجزها عن حماية أمن الصهاينة يتزايد بفعل التكتيكات الجديدة التي يتّبعها الشباب الفلسطيني المقاوم، يضاف إلى ذلك تناحر عدد من قادتها على خلافة محمود عباس، هذا الأمر يُعد سيد الموقف، وسيبقى كذلك مرهونًا بتطورات المشهد الفلسطيني والصهيوني المنعكس على الحالة الفلسطينية.