جزيرة العرب وإن كانت لا تخلو من بعض مكارم الأخلاق إلا أنها كانت غارقة في ضلال مُبين، وصف حالها جعفر بن أبي طالب عندما سأله ملك الحبشة: من أنتم؟ فكان مما قاله: "أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف..."
أما العالمُ حول الجزيرة العربية فكان غارقاً في ظُلمٍ وظُلمات، تتقاسمه دولتا الفرس والروم ومن ورائهما اليونان والهند، أما الفرس فكان يسودها انحطاط ديني وخلقي ليس له مثيل، وأما الروم فقد كانت تسيطر عليها الروح الاستعمارية وكانت منهمكة في خلاف ديني بينها وبين نصارى الشام ومصر، إضافة إلى الانحطاط الأخلاقي والظلم الاقتصادي من جراء كثرة الإتاوات ومضاعفة الضرائب، أما اليونان فكانت غارقة في الخرافات والأساطير الكلامية، وأما الهند فقد أجمع المؤرخون على أن أحط أدوارها ديانة وخلقاً واجتماعاً ذلك العهد الذي يبتدئ من مستهل القرن السادس عشر الميلادي.
من أجل ذلك كله بعث الله سيدنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) رحمة للعالمين، ليخرجهم من الظُلمات إلى النور، قال الله (تعالى): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، بعثه الله (تعالى) ليُتمم مكارم الأخلاق، فقد ضرب أروع الأمثلة في التواضع والعفو والحلم والرحمة والكرم والصبر والشجاعة، وحسن المعاشرة للزوجة والأبناء، فقال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، بل كان خُلقه القرآن كما قالت السيدة عائشة (رضي الله عنها)، ويكفيه أن الله (تعالى) زكّاه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، بعثه مُعلماً ومربياً، قال الله (تعالى): {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
لقد وصف الله (تعالى) الشمس فقال: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً}، ووصف القمر فقال: {وَقَمَرًا مُنِيرًا}، أما رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فوصفه (تعالى) بالسراج المُنير، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}، فهو كالشمس في وضوحها وإشراقها وأهميتها لاستمرار حياة القلوب واخضرارها وينعها ولكنه ليس وهاجاً ذا حرارة تؤذي بل قمراً في جماله منيراً في ضيائه يهتدي به كل من سار على دربه ونهج نهجه واستن بسنته، فما أحوجنا لأن نقتبس من هذا النور لنُبدد به ظلام الجاهلية التي عادت من جديد.
يا أحباب رسول الله: إنَّ الحُبَّ الحقيقي لرسول الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، يُترجم باتباع هديه، وتطبيق سنته، وقراءة سيرته العطرة وتطبيقها واقعاً عملياً على أنفسنا وزوجاتنا وبناتنا وأولادنا ومؤسساتنا العامة والخاصة. قال الله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)).