تمرُّ علينا في هذه الأيام الذكرى الرابعة لِعملية "حدِّ السيف" التي وقعت في الحادي عشر من نوفمبر لعام 2018، وقد انتصرت فيها كتائب القسّام بِعقليتها العسكرية الفذّة على ما تسمى بنُخبة العدو المُتمثلة بوحدة (سيرت متكال) الاستخباراتية العسكرية، تلك الوحدة تسللت إلى شرقي خانيونس في قطاع غزة بهدف زراعة منظومة تجسس، للتنصت على شبكة اتصالات المقاومة، لكن سرعان ما تنبّهت لها كتائب القسّام ولاحقتها وتمكّنت من كشف أمرها والاشتباك معها وقتل قائدها وإحباط مُخططها وإفشاله عبر تدفيعه الثمن عسكريًّا وأمنيًّا وسياسيًّا.
وبينما نعيشُ فصولًا من الأحداث والمستجدات السياسية الفلسطينية في هذا العام مع اندلاع ثورة الشباب الثائر في الضفة الغربية المحتلة، جاءت الذكرى الرابعة تُطِلُّ علينا وتُذكرنا بما تحقّق من إنجازات عسكرية في عملية حدِّ السيف النوعية البطولية، والتي أثبتت فيها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام أنَّها قادرة على تغيير وتثبيت معادلة الردع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وأنّها تمتلك السيف القاطع لِعُمق كيانه "الإسرائيلي" الهش، كيف لا وقد قطَّع سيفُ القسام الجهادي والأمني أواصر المنظومة العسكرية والأمنية الصهيونية، والتي كان يعتقد المحتل في إثرها بأنّه قادر على توجيهِ ضربةٍ قاضية للمجاهدين المرابطين على ثغور الوطن في قطاع غزة.
ولكنّ تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع ومُنِيَ جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بأكبرِ خسارةٍ استخباراتية وعسكرية وأمنية، في خطوة من شأنها تأكيد ما صنعته كتائب القسّام، لكونها تتفوق على صنيع جيوش نظامية تتبع لدولة ولها سيادة واستقرار؛ وذلك لأن هؤلاء المجاهدين يمتلكون عقيدة جهادية متينة لا تضعف بالمؤامرات والحروب الكيدية والعسكرية الطاحنة التي توالت على القطاع لفترةٍ تجاوزت العِقد من الزمن، من أبرزها "معركة سيف القدس" والتي تُوِّجت أيضًا بانتصار المجاهدين فيها وتحقيقهم لإنجازات بطولية قلبت موازين القوى والتجهيزات العسكرية والأمنية لدى الصهاينة حتى أقَرَّ قادتهم بالهزيمة المُدوِّية أمام ضربات المقاومة الباسلة، كيف لا وصواريخ الرُّعب شلّت أركانهم وحاصرتهم في عُقر مُستوطناتهم وجعلتهم يفِرُّون كالجُرذان إلى الملاجئ ذات التحصينات العالية خوفًا من تسديد ضربة إضافية مُوجعة ومُزلزلة لهم، والنتيجة مرة أخرى كسب نقطة انتصار تُسجّل لِصالح كتائب عز الدين القسام، وهنا لم تنتهِ جولات المواجهة بعد، فقد أعدّ المجاهدون لهذا المحتل ما لا يخطُر بباله بل ويفوق توقعاته بأي مواجهة تجعله يُفكّر ويضع لها ألف حساب، ويبقى الرهان على البقاء للأقوى من حيث الذكاء العسكري والاستراتيجي، وهذا ما تمتلكه وتتمتع به كتائب القسّام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عملية "حد السيف" كشفت العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الصهيونية في العديد من المناطق العربية والإسلامية.
ونشير إلى ما سجّلته المقاومة في غزة من انتصار في عملية حدّ السيف، والتي أثرّت بشكلٍ كبير في السياسة الداخلية للكيان الصهيوني، حيث أجبرت في حينه وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان على تقديم استقالته بعد مرور يومين على العملية.
ومن أبرز ما تركته عملية حدّ السيف خلفها، المفاجأة التي شكّلت صدمة لأعلى مستوى لدى قادة الاحتلال، ألا وهي سيطرة كتائب القسّام على أجهزة تقنية ومعدات تحتوي على أسرار كبيرة ظن العدو واهمًا أنها تبخّرت باستهدافه المنطقة بعشرات الغارات المكثفة، لكن مع ذلك تمكّن القسام من خلال الأجهزة والمعدات التي وقعت في حوزته معرفة أساليب عمل وحدات النخبة، ونشاطها الاستخباراتي في فلسطين والعديد من الساحات الأخرى.
ومن النتائج التي استطاع القسام بعملية حدّ السيف تحقيقها، الفشل الصهيوني الكبير في تحقيق أهداف العملية وكشفها من قبل المقاومة الفلسطينية؛ ما أدى إلى كسر الهيبة الأمنية للاحتلال، خاصة هيبة وسمعة الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان)، فقد ظلت إلى عهد ليس بالبعيد موضع مُباهاة ومفاخرة صهيونية، بل وعلامة فارقة في تاريخ العمل الاستخباراتي، خصوصًا تلك المتعلقة بالعمليات المباشرة وتهيئة الأرضية لها، سواء كان في فلسطين أو خارج فلسطين.
ويُشار هنا إلى تراكم نجاحات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام وما حققته من انتصارات عدة في إدارتها للصراع مع الاحتلال الصهيوني سواء في عملية حدّ السيف أو في المواجهات العسكرية السابقة، ولعلّ ما كشفت عنه وسائل الإعلام العبرية أوضح دليل على ذلك، ولا سيما اعتبارها بأنّ الفشل في تحقيق أهداف العملية سيلاحق قادة العدو حتى بعد مضي سنوات على عملية حد السيف، وسيبقى مسجّلًا في صفحاتهم، خاصة الحديث عن استنكاف جزء من جنود الوحدة الخاصة المتسللة وإصابتهم بالصدمة النفسية.