كشفت الوكالة اليهودية للهجرة أن ثلاثة آلاف يهودي جديد سيهاجرون من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة في الأشهر المقبلة، ليصل عددهم منذ قيام دولة الاحتلال ما يقرب من 92 ألفاً، رغم ما يواجهونه فيها من مؤشرات عنصرية وتعامل استعلائي وتمييز على خلفية لون البشرة، واعتبارهم يهودا من الدرجة العاشرة.
يمكن الحديث عن بدايات الهجرات اليهودية من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة منذ عام 1977، من خلال عمليات سرية، حيث تعاونت حكومة الاحتلال والموساد والجيش مع الوكالة اليهودية لتشجيعهم، ووصلت ذروتها منتصف الثمانينيات بـ"عملية موسى" التي هاجر فيها 8000 آلاف من مخيمات اللاجئين في السودان، وعبر "دول وسيطة"، سيرًا على الأقدام وبالطائرة وبالقوارب، دون أن يكشف الاحتلال عن هوية هذه الدول.
مع أن معدلات الهجرات اليهودية من إثيوبيا اقتربت في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من 150 ألفاً، وفي "عملية سولومون" في 1991 وصل إلى 14 ألفا، وطوال التسعينيات حتى 2008 يتم تسهيل هذه الهجرات، حتى شهد 2010 عملية "أجنحة الحمام" بتهجير سبعة آلاف مهاجر من إثيوبيا والقرن الإفريقي، وبين 2015-2020 وصل إلى تسعة آلاف آخرين.
تكشف هذه المعطيات الإحصائية عن جملة استخلاصات، أولها خلافات اليهود أنفسهم حول جلب يهود الفلاشا، فمعظمهم ليسوا يهودا وفقا للقانون الديني، ما زاد من التباينات القائمة بين وزارة الهجرة والوكالة اليهودية والمؤسسة الحاخامية، الذين يزعمون أن تعريف مهاجري إثيوبيا بأنهم يهود "وصمة عار على يهوديتنا"، بزعم أن نسبة كبيرة منهم مسيحيون، والجهات الرسمية في الدولة ترفض فحص الحاخامات ليهوديتهم.
ثاني الاستخلاصات أن الموساد حين قام بعمليات جلب الفلاشا من إثيوبيا، تطلب ذلك منه التواصل مع دول عربية محيطة بها على مدار سنوات طويلة، ولا سيما السودان، حيث أقام رجاله أربع سنوات في قلبها، وهي مصنفة بأنها دولة معادية.
الاستخلاص الثالث ما يعانيه الفلاشا من تمييز من اليهود الأشكنازيين الغربيين، ما يكشف عن التفكك الاجتماعي والتفسخ الداخلي في دولة الاحتلال، وسبق أن نظموا احتجاجات كبيرة، ما أزاح النقاب عن معدلات الانقسام والتباين فيها، والتشظي لمجموعات متناقضة، وباتت كل مجموعة عرقية جغرافية تتجاهل أي معاناة لأفراد المجموعة الأخرى، بل يسعون في كل مناسبة للتنغيص عليهم.
حتى أن شبكات التواصل الاجتماعي غصت في السنوات الأخيرة بسيل جارف من المنشورات والتعليقات التي تعج بالعنصرية والإساءات القاسية ضد اليهود الإثيوبيين، ما يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي دخل مرحلة التفكك، ويسارع الخطى نحو مزيد من التفسخ، والنتيجة أن المجتمعات التي تفقد التضامن الداخلي سرعان ما تتفكك لصراعات إثنية وقومية واجتماعية، حتى تتحطم من داخلها.