فلسطين أون لاين

الضفة ومقاومتها وحاضنتها بخير

سيبقى عام 2022 شاهدًا على حالة ثورية غير مسبوقة في الفعل الثوري الفلسطيني وتكتيكاته، عام زاخر بأحداث ميدانية نضالية، جعلته الضفة الغربية المحتلة يتباين في الشبه مع أقرانه من الأعوام التالية لانتفاضة الأقصى، فصفحاته مخطوط فيها تنوع أشكال آلاف عمليات مقاومة نُفذت في أرجاء الضفة المحتلة، غير أن إلقاء الحجارة، والزجاجات الحارقة، والدهس المعتاد مقاومة الاحتلال بها لم تكن هي، والطعن محتكرة للفعل المقاوم الناظم لهذه الآلاف، بل إن تفجير العبوات وإطلاق الرصاص المحشو بجرأة وشجاعة منقطعة النظير وبتكتيكات تنفيذ غير مسبوقة وجد له حيزًا بينها وبحصة رادعة للمحتل. 

الحدث الأبرز المميز لعام 2022 ولادة مجموعات مقاومة تمارس الفعل المقاوم سرًا وعلانية، مجموعات مقاومة كبُر فهمها الوطني وتعاظم إدراكها لخطورة استدعاء قيادة السلطة الدائم لذريعة الانقسام الذي استخدمته في شق طريقها نحو ملاحقة ومصادرة بنادق ورصاص الثائرين العابرين اليوم لهذه الذريعة بنجاحهم في تشكيل مجموعة مقاومة جنين وعرين الأسود، وهي مجموعات مقاومة أحسنتا صنعًا ثوريًا استقبله شعبنا الفلسطيني بمراسم احتفاء جددت تأكيد إصرار شعبنا المطلق على احتضان المقاومة، وعلى فشل سعي كيان الاحتلال لإدخال شعبنا في حالة قطيعة مع المقاومة. 

على الرغم من غزارة المحاولات الرامية لاقتلاع شباب الضفة المحتلة من جذورهم الثورية نجد أن الظروف والمعطيات في الضفة المحتلة تجعل جميعنا وجميعهم مسكونًا بحالة يقين أن العد التنازلي لاشتعال ثورة عارمة في وجه الاحتلال قد ضاعف سرعة انطلاقه صوب ساعة الصفر، مستعينًا في التأكيد على ذاته بالإحصائيات المكتوبة بمجموع الفعل الثوري خلال عام 2022، إحصائيات تصدح بحقيقة فشل مخططات اجتثاث فكرة المقاومة من وجدان وسلوك شباب الضفة المحتلة، تلك المخططات التي أساءت التقدير فتفلت من اعتباراتها بروز جيل ثوري شاب كأمثال المعلم الثائر محمد الجعبري، وعدي التميمي، ورعد خازم، ووديع الحَوَح، وتامر الكيلاني وإبراهيم النابلسي، وفاروق سلامة وعموم جيلهم الذي ابتُلي بتجرع ويلات نكسة اتفاق أوسلو الجاثم بكارثيته على أدق وأبسط تفاصيل حياتهم اليومية. 

من يتصفح سنوات حكم رئيس السلطة أبو مازن ودون أن يتحمل مشقة التفحص العميق والتدقيق يبصر حقيقة أن الاحتلال لم يفلح يومًا في التضييق على الفعل المقاوم وتقليص مساحة تحركه إلا بدعم وإسناد التنسيق الأمني الذي أخلص قادته في ملاحقة كل فعل مقاوم قبل وبعد تنفيذه، ونجحوا في جعله يدًا على شعبنا وأعينًا يبصر بها عدونا الفعل المقاوم وفاعله لتكون نهايته إما الشهادة وإما الاعتقال، تنسيق أمني يتحمل مسؤولية محاصرة منابع أي مد ثوري ومنعه من الجريان بقوة دفع تغمر قرى ومدن الضفة المحتلة التي يضع كيان الاحتلال أحدث ما وصلت إليه قوته العسكرية والأمنية تحت تصرف خفض مستويات الخطر القادم إليه منها. 

وفي واجهة الإجابة عن سؤال لماذا الضفة الغربية المحتلة؟ نجد أن موقعها في مركز فلسطين جعلها تتفوق في تميزها الجيو استراتيجي، كونها ذات تضاريس جغرافية تعطيها قدرة على تدشين بيئة مقاومة باستطاعتها رفع كلفة إصرار العدو الصهيوني على احتلال فلسطين، والقيمة الجيو استراتيجية الأهم للضفة المحتلة والأخطر على أمن كيان الاحتلال نابعة من كونها أحد أهم مزودي كفاحنا المسلح بالثائرين المؤمنين بوجوب توجيه رصاصنا إلى عدونا في معركة حتمية دحره عن أرضنا، فتضاريس الضفة مزروع فيها شعب ثوري عنيد مدجج بهمة لا يعرف النضوب إليها سبيلا، شعب ليس كمثله شعب يُجيد استحداث خوارزميات حماية مناسيب منابع قوته من احتمالات الامتصاص والتجفيف، شعب ينهض على إرادة صلبة متناسلة تعرف جيدًا فنون إبطال محاولات كسرها، وهذا في حقيقته انعكاس لخصال عموم الشعب الفلسطيني الثائر والمتمترس في مواجهة جبروت ترسانة كيان الاحتلال العسكرية والأمنية والاقتصادية منذ نحو 75 عامًا، مجبرًا الاحتلال على الإقرار الفعلي بتحول قوته الخشنة والناعمة والذكية إلى قوة عقيمة عاجزة عن تركيع الشعب الفلسطيني وعن استلاله من فطرته الوطنية الثائرة، مستفيدًا في معركة صموده من روحه الثورية المغلفة بحصون عقدية صلبة تستعصي على التأكل والتذويب. 

القيمة الجيو استراتيجية للضفة المحتلة جعلتها دائمة الحضور في أجندة إدراك كيان الاحتلال لجسامة الأخطار الرافضة لفكرة وجوده والوافدة من استمساك أبناء الضفة بعرى الوطن الذي لا يقبل عندهم القسمة ولا يقبل التفريط، إدراك جعله منتِج دائم لخوف كيان الاحتلال من استعادة الضفة لمقاومتها الرادعة، مختارًا التعبير عن خوفه بديمومة ما ظهر وبطن من عدوانه العسكري والأمني على مدن الضفة، قاصدًا الظفر بفرصة إجهاض كل فعل مقاوم قبل أن يسلك سبيل الإثخان فيه، فنراه يلهث وراء تسديد ضربات استباقية وانتقامية لكل خطر يراه حقيقيًا أو ما تشابه عليه من الخطر. 

خطر حقيقي يهدد أمن كيان الاحتلال اليوم، ترتفع مناسيبه مع بروز واتساع ظاهرة ردة عناصر أجهزة أمنية عن عقيدة التنسيق الأمني، وخروجهم على قانون إغضاء الطرف والسكوت عن إجرام الاحتلال ومستوطنيه بحق أبناء شعبهم، منقلبين على عقيدة دايتون الأمنية باستدعائهم جوارحهم الثورية وإدخالها في حالة اشتباك مع جنود الاحتلال ومستوطنيه. 

انتعاش حالة المقاومة في الضفة الغربية المحتلة من حينٍ إلى حين، يعطي إشارات واضحة أن الضفة بشعبها ومقاومتها بخير يتعاظم معه التهديد الوجودي لكيان الاحتلال بمستويات تبشر بتآكله ، وتفرض على كل أسود الساحات الفلسطينية رفع درجة الإعداد والاستعداد للحظة الخروج من عرينها والانقضاض عليه بقوة بأس، نضمن بديمومتها وزخمها شهودنا مشهد زوال الاحتلال.