لا تخفي المحافل الإسرائيلية، لا سيما الأمنية والعسكرية والسياسية، ترقّبها لما بات يسمى في الأدبيات الإسرائيلية بـ"اليوم التالي" لغياب محتمل لرئيس السلطة محمود عباس، الذي ارتدى منذ 2005 ثلاث قبعات: رئيس السلطة، ورئيس منظمة التحرير، ورئيس حركة فتح، وخلال فترة ولايته التي بدأت بعد انتفاضة الأقصى، ساد الاستقرار الأمني في الضفة الغربية لصالح الاحتلال.
في السنوات الأخيرة، تزايدت التقديرات الإسرائيلية حول إمكانية خروج عباس من المشهد السياسي الفلسطيني، إما طوعا أو إكراها، مما منح المرشحين المحتملين لخلافته فرصة لاستعراض إمكانياتهم أمام الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها الاحتلال والولايات المتحدة والدول الإقليمية، دون أن يضعون الشعب الفلسطيني في قائمة هذه الأطراف.
آخر هذه الاستشرافات الإسرائيلية تمثلت بما أصدره معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة )تل أبيب( من كتاب جديد بمشاركة عدد من الخبراء في الشئون الفلسطينية، لفحص وتحليل مكونات حكم عباس؛ ونقاط قوته وضعفه؛ والسيناريوهات المحتملة بعد رحيله؛ والعواقب المحتملة على الساحتين الإسرائيلية الفلسطينية "في اليوم التالي لعباس".
يلفت الانتباه من خلال استعراض أهم ما جاء في الدراسة الصادرة للتو، أن السيناريوهات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد عباس، تركزت حول ثلاثة، أولاها نقل السيطرة بطريقة منظمة إلى زعيم واحد، أو مجموعة قيادية من صفوف فتح، وثانيها دخول السلطة الفلسطينية في حالة صراعات مستمرة على الخلافة، مما سيضعفها، مقابل تقوية حماس ونفوذها، وثالثها سيناريو الفوضى، وفقدان السيطرة لدرجة تفكك السلطة الفلسطينية، و"عودة المفاتيح" إلى دولة الاحتلال.
الباحثون الإسرائيليون صاغوا جملة توصيات لسياسة الحكومة الإسرائيلية وإجراءاتها تجاه الساحة الفلسطينية "لليوم التالي لعباس"، بعضها مرتبط بالوقت الحاضر، حيث لا يزال في السلطة، تحضيرا لمدى تأثر قدرة النظام السياسي الفلسطيني على التعامل مع رحيله المفاجئ، مما قد يمسّ بشكل كبير بقدرة السلطة على إدارة عملية تسليم وتسلم منظمة ومستقرة، دون صراعات على الخلافة، مع حيازة الاحتلال لأدوات للمساعدة في ذلك، مثل تعزيز السلطة وحكمها، لخدمة مصالحه السياسية والأمنية، ومنع التصعيد الأمني الذي قد يمتد باتجاهه.
في الاستشراف الإسرائيلي يتم استعراض أهم العوامل التي ستتشكل في الساحة الفلسطينية عندما يصبح رحيل عباس حقيقة، من حيث نشوب اضطراب سياسي، بل وأزمة حقيقية، كونه ابن 86 عامًا، وشغل 3مناصب قيادية عليا لمدة 17 عامًا، وفي هذه الحالة فإن خروجه من الساحة السياسية، سيفسح المجال للمنافسة على 3 مناصب رئيسية، مما يعني دخول المشهد الفلسطيني في جملة من السيناريوهات التي تبدأ بتوافق فتح على مرشح واحد، وتنتهي بسيطرة حماس على الضفة، على الأقل وفق تقدير الاحتلال.