رغم إعلان رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد أمام الأمم المتحدة قبل أسبوعين عن دعمه لحل الدولتين مع الفلسطينيين، فإنه في الوقت ذاته لم يكمل دعوته بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، رغم أنه حظي بمهاجمة اليمين له بزعم أن إعلانه "يساري"، لأن غالبيتهم يعتقدون أنه من الممكن، بل المرغوب فيه قمع الفلسطينيين إلى الأبد.
الغريب أن الانتقادات الموجهة إلى لابيد لم تقتصر على اليمين، بل حظي بذلك من داخل البيت، فوزير الحرب بيني غانتس لم يتردد في القول أنه يختلف مع رئيسه حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وذكر آخرون ممن يوصفون بالاعتدال أحيانًا، أن لابيد مخطئ بشأن الدولة الفلسطينية.
مع العلم أن هذا النقد الداخلي الإسرائيلي يكشف عن أزمة حقيقية يعانيها تيار يسار الوسط بأنه يفتقر لسياسة متماسكة، بزعمه أنه ليس من الواقعي في الوقت الحالي التوصل لاتفاق مع القيادة الفلسطينية، حتى مع النصف الذي يمثله أبو مازن، من أجل قيام دولة فلسطينية حقيقية، والسبب أن الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين مقابل إعلان نهاية الصراع الذي يطالب به الاحتلال، يتجاوز ما يستطيع الأخير مواجهته.
يتوقف الإسرائيليون عند ما يمكن اعتباره حالة الإجماع الفلسطينية بالحصول على كلّ الضفة الغربية؛ بزعم أنه في حقبة ما بعد إطلاق صواريخ غزة، سيجد الاحتلال صعوبة بالعيش في محيط ضيق يبلغ 20 كيلومترًا قرب نتانيا، بجانب المطلب الفلسطيني الجاد بالحصول على كامل المدينة المقدسة، بوصفها عاصمتهم، فضلًا عن الجدية بتطبيق حق العودة، وهي مطالب مشروعة ومنطقية، رغم أن الساحة السياسية الإسرائيلية، يمينها وما تبقى من يسارها، يرى أن نتيجتها كارثية.
في المقابل، فإن المستوطنين الذين يعيشون على أنقاض أراضي الفلسطينيين يتمتعون بحقوق مدنية كاملة بجوار الفلسطينيين المحرومين، ما يعطي وصفة سحرية للانتقال من مناقشة الصراع من الناحية السياسية بين الشعبين، إلى مناقشة الحقوق المدنية تمهيدًا لنشوء دولة واحدة لكل مواطنيها، وفي هذه الحالة على دولة الاحتلال أن تعتاد اتهامها بالفصل العنصري، لأنه قد يُطلب منها ضم الضفة الغربية، ومنح الجنسية للفلسطينيين.
يتوقع الإسرائيليون المعارضون للسياسة اليمينية السائدة أن ما يمكن وصفه "البلد المشترك" لن يكون مسالمًا، لأن اليهود سيغادرونه، وسيطلق عليها في نهاية المطاف، ربما قبل عام 2048، فلسطين، وعليه إذا أراد لابيد تجنب التعرض لاتهامات السطحية، فمن الأفضل أن يعلن الانفصال عن الفلسطينيين، ويعلن من جانب واحد تجميد المستوطنات، وإيجاد طريقة لإعادة 100 ألف مستوطن موجودين هناك، على الأقل هذا موقف تيار يتنامى بين الإسرائيليين، لأن العالم لن يدعم النسخة الإسرائيلية من الفصل العنصري الموجودة حاليًّا في الأراضي الفلسطينية.