يعيش أغلبية الأهالي حالة من "التوتر" عند بلوغ أبنائهم سن المراهقة، خوفاً عليهم من أعراض غريبة تظهر عليهم، كالحزن الشديد والإحباط واليأس، فيعجز كثيرٌ منهم عن نشل أبنائه من تلك الفترة الحرجة، ما قد ينعكس سلبياً عليهم في المستقبل.
هذه المواقف وقعت "أم محمود" في بعضها عند بلوغ ابنها الكبير سن المراهقة، فقد بدأ يميل إلى الانطواء، وانعزل عن محيطه الاجتماعي، وانقلب أسلوب تعامله مع عائلته، فأصبح عصبياً مع أشقائه الأصغر منه.
ولم تفلح الأم في التعامل مع ابنها إلا عندما تواصلت مع المرشد النفسي في المدرسة التي يدرس بها، الذي أشار عليها بأهمية "احتواء" ابنها وتفهم التغيرات الكبيرة التي يمر بها وتؤثر فيه جسدياً ونفسياً ما أدخله فيما يسمى "اكتئاب المراهقة".
وتبين الأخصائية النفسية والتربوية د. سماح أبو زينة أن حالة الاكتئاب عند المراهقين نوع من أنواع الاكتئاب المزمن الخفيف، وهي حالة مرضية تتمثل بالشعور بالحزن الشديد وتقلبات المزاج، واليأس، والإحباط، وتأنيب الذات، وتصيب الفرد في مرحلة المراهقة وهي مرحلة عمرية مهمة ومفصلية.
ومن أسباب اكتئاب مرحلة المراهقة –وفق أبو زينة- التغيرات الهرمونية السريعة التي تحدث في جسم المراهق التي لم يتكيف معها الجسم بالشكل الآمن، كذلك التغيرات الجسدية السريعة واختلاف جسم المراهق الذي سينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب.
صراعات أسرية
وتلفت أبو زينة إلى أن بعض المراهقين يُصابون باضطراب شكل الجسم نتيجة التغير السريع في المظهر ويكون لذلك في بعض الأحيان جانب اكتئابي، إلى جانب الصراعات الأسرية في فترة المراهقة، والمسؤوليات الأسرية والعائلية الملقاة على عاتق المراهق.
كما تشير إلى ضغوطات الدراسة بما تتطلبه من مجهود ذهني عالٍ والمدرسة والمدرسين والبيئة المدرسية، والأصدقاء وضغوط داخل مجموعة الأصدقاء، وهي عوامل محفزة للتوتر والقلق عند المراهقين.
وإلى جانب ذلك تؤثر أنماط تغذية المراهق في الحالة المزاجية له بفعل فقدان المحتوى الغذائي السليم والميل إلى الوجبات السريعة.
وفي الحالة الفلسطينية تقول أبو زينة، إن الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناؤنا، والتعرض للحروب المتكررة والصدمات المرافقة لها أثر كبير في ظهور اكتئاب المراهقة.
وتبين أبو زينة أن من الآثار الجسدية لاكتئاب المراهقين: الخمول، والكسل، والشعور المزمن بالإرهاق الجسدي، وأحياناً آلام في المعدة والظهر، والصداع.
ومن تلك الآثار أيضًا اضطرابات الشهية، سواء بزيادتها أو نقصانها، واضطرابات النوم، كالزيادة غير الطبيعية في معدل ساعات النوم، أو عدم القدرة على النوم بشكل متواصل وطبيعي".
ومن الآثار النفسية لاكتئاب المراهقين -كما تشرح أبو زينة- انخفاض الثقة بالنفس، وانعدام تقدير الذات، والميل للانعزال الاجتماعي، والانطوائية، والتوتر، والقلق، وضعف وتشتت التركيز الذي يؤدي إلى انخفاض المستوى الدراسي، وعدم الشعور بالراحة، ونقد الذات ولومها.
ويُصاب المراهق بالشعور بالذنب، والعصبية والانفعالية، وفقدان الشغف والمتعة في ممارسة الهوايات والنشاطات التي كان يفضلها سابقاً، والرغبة بالانعزال، "وأخيراً قد تتولّد لدى المراهق أفكار سلبية "تشوهات فكرية"، وتكمن خطورتها في أنها يمكن أن تقود المراهق إلى الميل نحو الانتحار".
وطمأنَت الأهل بأن "اكتئاب المراهقة" حالة عابرة إذا ما لاقت اهتماماً ومتابعة واحتواء من قبل الأسرة خاصة الوالديْن والأشخاص الداعمين داخل وخارج الأسرة.
احتواء
وللتغلب على هذه الحالة، ينبغي احتواء المراهق المكتئب قدر الإمكان، وتفهم الحالة النفسية له وبث روح الأمل والتفاؤل في نفسه، والجلوس معه ومحاورته حواراً هادفاً بعيداً عن النقد واللوم والتأنيب، كما يبين أبو زينة.
ويمكن للأهل أيضاً، كما تشرح أبو زينة، تقديم الدعم النفسي للمراهق وتعزيزه وإشعاره بالتقبل والمحبة وأن هناك من يتفهمه ويقف إلى جانبه ويسانده في كل الأوقات والاستماع له باهتمام وتشجيعه على الكلام.
ونصحت الأهل بإتاحة الفرصة لإخراج كل الطاقة السلبية التي في قلبه، وعدم تركه للعزلة والانطواء، والتواصل المستمر معه، وتشجيعه على ممارسة الرياضة، والأنشطة الحركية والتعاونية الجماعية بصحبة أقرانه، والمشاركة في المسابقات، وتشجيع المراهق على نظام غذائي صحي ومتوازن.
وقد يُفيد أيضاً في علاج الحالة الخروج للطبيعة والتنزه في المساحات الخضراء، وعلى شاطئ البحر كذلك، فهذه الأماكن تشحن الإنسان بطاقة إيجابية، كما يفيد التعرض لأشعة الشمس لفترة محددة أيضاً في التخلص من حالة الاكتئاب، وفق أبو زينة.
وشرحت بالقول: "في حالة عدم جدوى كل هذه الطرق مع المراهق المكتئب، يفضل من الأهل التواصل مع مختص نفسي موثوق به، بعيداً عن الشعور بالوصمة المرتبطة بزيارة الطبيب النفسي، لأن العلاج لابنهم مهم وسيخلصه من هذه الحالة بشكل آمن وأفضل".