لا تتوقف محاولات الاحتلال الإسرائيلي ولو لحظةً عن خنق الحياة التعليمية في مدينة القدس المحتلة وتجهيل طلابها، فمنذ أعوام وهي تفرض إجراءات صارمة على مدارس المدينة، خاصة التي ترفض تدريس المناهج الإسرائيلية و"الفلسطينية المحرفة"، فترفض الموافقة على بناء مدارس جديدة، وتضيِّق الخناق على الموجود منها وتهددها بالإغلاق أو سحب تراخيصها، لإجبارها على القبول بشروطها.
وألغت سلطات الاحتلال، أول من أمس، تراخيص ست مدارس في مدينة القدس بذريعة تدريس مضامين تحرض عليه في الكتب الدراسية. واستهدف القرار مدارس الإيمان بأفرعها الخمسة، التي يبلغ عدد طلابها نحو 1755 طالبًا وطالبة في المرحلتين الابتدائية والثانوية، والكلية الإبراهيمية وتعداد طلابها 288 طالبًا وطالبة.
وأخطرت وزارة التعليم بحكومة الاحتلال المدارس المستهدفة بتعديل المضامين التي عدتها "تحريضية" في المناهج الدراسية، وذلك في غضون عام.
منهاج محرف
ووصف رئيس اتحاد أولياء أمور الطلبة في القدس زياد الشمالي القرار الإسرائيلي بالخطير، إذ إنه يهدف للضغط على مدارس القدس للقبول بتعليم "منهاج محرف"، مؤكدا أن الاحتلال يعمل منذ أعوام على تجهيل الطلبة الفلسطينيين بقضيتهم، وحرف نظام التعليم عن هدفه.
وبين الشمالي لصحيفة "فلسطين" أن المنهاج الذي يوزعه الاحتلال على المدارس التابعة له يبدو من النظرة الأولى على أنه فلسطيني، لكنه في حقيقته "محرّفًا"، فالدروس تختلف عما يتم تدريسه في محافظات أراضي السلطة، "فالتصميم الخارجي للكتاب فلسطيني وما في داخله مغاير لذلك".
وأشار إلى أن الاحتلال يحاول من خلال إلغاء تراخيص ست مدارس في القدس الضغط على المدارس الأخرى للقبول بتدريس "المنهاج المحرف"، محذرًا من خطورة تلك المحاولات الإسرائيلية.
ودعا إلى عدم ترك مدارس القدس وحيدة أمام إجرام الاحتلال وعنصريته، محذرًا من أن سحب تصاريح أو إغلاق المدارس خسارة كبيرة للفلسطينيين وخاصة المقدسيين.
ويبلغ عدد المدارس في القدس نحو 135 مدرسة خاصة وأهلية وأوقاف، وأخرى تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تدرّس المنهاج الفلسطيني غير المحرف، يشن الاحتلال الحرب عليها للقبول بتدريس "المنهاج المحرف"، إلى جانب 85 مدرسة تتبع للاحتلال بعضها استولى عليها منذ عام 1967، وأخرى قام ببنائها، وفق الشمالي.
منهاج وطني
من جانبه، عدّ رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي قرار إخطار المدارس بالإغلاق تدخلًا سافرًا بمدارس الشعب الفلسطيني ومناهجه "التي من حقنا نحن فقط أن نقرر ماذا وكيف نربي أبناءنا، وكيف نحافظ على هويتنا الوطنية الفلسطينية".
ونبه الهدمي لـ"فلسطين" إلى أن سلطات الاحتلال سعت منذ عقود من السنين إلى تشويه المنهاج الفلسطيني وصورة امتحانات الثانوية العامة في مسعى منها للوصول إلى تدريس "المنهاج الإسرائيلي".
وأضاف: "نعي تمامًا الضعف الموجود في منهاجنا، لكنها مناهج وطنية، نعتز فيها بهويتنا ولا نقبل أن يتم المساس بها أو تشويهها من الاحتلال الذي رأينا منه من الجرائم ما يكفي حتى نعي وجهه الحقيقي".
وشدد على رفض تدخل الاحتلال بمناهجنا ومدارسنا، معتبرًا قضية المدارس قضية وطنية ورأيًا عامًّا يقف كل أبناء شعبنا وخاصة مدينة القدس في وجهها لرفض أي تدخل إسرائيلي فيها.
وأوضح الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص أن الاحتلال بحلول عام 2000 بدأ يتبنى سياسة جديدة تجاه التعليم في القدس، فأخذ يبني مدارس ضخمة تابعة له تدرس "نسخة ممسوخة" من المنهاج الفلسطيني، وأخذ بيد أخرى يعرض على المدارس الأهلية دعمًا باعتبارها تقوم بمهمة يفترض أن يتولاها، وعلى اعتبار أن هذا الدعم حصة المقدسيين من الضرائب التي يدفعونها.
وبين ابحيص لـ"فلسطين" أن المدارس الأهلية في القدس ظلت مترددة أمام عرض الاحتلال حتى صدرت الإستراتيجية القطاعية للقدس عام 2004، عن جمعية الدراسات العربية "بيت الشرق" بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتشجع في الصفحة الثامنة والتسعين منها على تلقي هذا الدعم باعتباره حقًّا للمقدسيين يكفله القانون الدولي مقابل ما يدفعونه من ضرائب.
وأضاف: أعقب ذلك إعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال في القدس لكونه سلطة احتلال ينبغي القطيعة معها ومواجهتها بالحفاظ على أكبر قدر ممكن من استقلال المجتمع وعصاميته.
ولفت إلى أن سلطات الاحتلال حافظت على الدعم دون شروط طوال ثماني سنوات، وحينما اطمأنت إلى أن معظم المدارس الأهلية في القدس باتت تتلقاه وتعتمد عليه، بدأت تضع الشروط بضرورة تدريس "النسخة الممسوخة" من المنهاج الفلسطيني التي تشرف على تبييضها وطباعتها وزارة التعليم بحكومة الاحتلال.
وأشار إلى أن الشروط بدأت تتكاثر كتعليم كتاب "التربية المدنية" الإسرائيلي وإجبار المعلمين على أن تكون شهاداتهم من مؤسسات تعليم عالٍ إسرائيلية.
وذكر ابحيص أن تيارًا محدودًا من المعلمين وقادة العملية التعليمية في القدس ومن المؤسسات المقدسية بدأت ترفض تلقي هذا الدعم وتدعو إلى مقاطعته، وإلى الحفاظ على استقلالية قطاع التعليم باعتباره أولوية مقدَّمةً على تنميته مهما كانت تلك التنمية ملحَّة.
ورأى أن المخرج يتمثل في استعادة وحدة قطاع التعليم بأذرعه الثلاثة "الأوقاف والأهلية وأونروا" إضافة إلى استعادة الموقف الموحد للحفاظ على المناهج، والتقشف وتقليل النفقات، والتواصل مع العمق الشعبي العربي والإسلامي ليستأنف الدعم ضمن شروط الكفاية ودون تعجيزه بالترف والكماليات.