قال الخبير في شؤون الاستيطان سهيل خليلية إن هناك خطة إسرائيلية قائمة ومتسارعة منذ تشكيل الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في (إسرائيل)؛ بهدف إقامة "دولة حكم ذاتي" للمستوطنين اليهود على حساب الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح خليلية في حوار مع "فلسطين أون لاين"، أمس، أن الخطة بدأت تتبلور منذ تشكيل الحكومة المتطرفة يناير/ كانون الثاني 2023م وتقلد بموجبها الوزير بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية الذي سرّع بدوره بشكل هائل الخطط الاستيطانية والدعم المالي اللازم لتنفيذها واقعيا.
وذكر أن "معالم" هذه الخطة أحدثت تغيرات حقيقية واستراتيجية في الضفة، علما أن تطبيقها لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، بل بدأ منذ تشكيل الحكومة وبدء الوزير المتطرف سموتريتش مهامه في تسريع تنفيذ الخطة الاستيطانية المعدة مسبقا منذ سنوات.
وإثر تولي الوزير المتطرف تلك الوزارة، وتقلده صلاحيات إدارية واسعة داخل "الإدارة المدنية الإسرائيلية" دفع بمخططات ومشاريع استيطانية غير مسبوقة منذ عقود.
وخلال عام 2023 تمت الموافقة الإسرائيلية على أكثر من 12500 وحدة، وفي العام التالي تمت الموافقة الإسرائيلية على أكثر من 9900 وحدة، ومنذ بداية العام الجاري حتى اللحظة تمت الموافقة على 11500 وحدة استيطانية. بحسب أرقام خليلية.
وأشار إلى أن جميع هذه المخططات تأتي بالتزامن مع تغيرات جذرية استيطانية واضحة أبرزها إقامة شبكة طرق استيطانية خاصة ومنفصلة عن الفلسطينيين، وإقامة بؤر استيطانية ومستوطنات جديدة.
وتطرق إلى تصعيد الاحتلال ضغوطاته على عشرات التجمعات الفلسطينية الرعوية في الأغوار الشمالية، سعياً لإجبار سكانها على مغادرة منازلهم وأراضيهم، وتمثلت هذه الضغوط في تقليص مساحات المراعي، قطع إمدادات المياه المنتظمة، عزل منطقة الأغوار عن بقية مناطق الضفة الغربية.
ونوه إلى أن إقامة هذه البؤر الاستيطانية يأتي بغطاء عسكري ومادي من الحكومة المتطرفة بشكل فاعل؛ الأمر الذي دفع المستوطنين لزيادة أعداد تلك البؤر الاستيطانية منذ قدوم الحكومة المتطرفة والتي بلغت 70 بؤرة جديدة تم المصادقة على تحويل 13 منها لمستوطنات قابلة للتمدد والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية.
ووفق تقارير فلسطينية فإن عدد المستوطنين في الضفة بلغ نهاية 2024 نحو 770 ألفا، موزعين على 180 مستوطنة و256 بؤرة استيطانية منها 138 بؤرة تصنف على أنها رعوية وزراعية.
والمستوطنة هي التي تقام بموافقة حكومة الاحتلال، بينما البؤر الاستيطانية يقيمها مستوطنون دون موافقة من الحكومة وتأخذ عدة أشكال (صناعية، رعوية، زراعية).
دولة المستوطنين
وخلص الخبير في شؤون الاستيطان إلى أن جميع المؤشرات الواقعية تثبت تغير حكومة الاحتلال المعالم الجغرافية – السياسية في الضفة الغربية، ورأي أن ذلك جاء بعد تولي المتطرف سموتريتش وزارة المالية وصلاحياته في "الإدارة المدنية" ما مكنه للانتقال سريعا من التخطيط إلى التنفيذ.
وبعد صدامات سياسية كادت لتفكيك حكومة بنيامين نتنياهو، استطاع رئيس "حزب الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش تولى سلطات واسعة على الضفة الغربية و"الإدارة المدنية".
وسبق أن وقع وزير الجيش المقال يوآف غالانت و(سموتريتش/ الوزير الثاني داخل وزارة الجيش) على اتفاق عرف من بنوده إنشاء "دائرة استيطان" داخل "الإدارة المدنية".
وهنا، نوه إلى المساعي الإسرائيلية لتشكيل "اللبنة الأولى لدولة المستوطنين: حكم ذاتي على أراضي الضفة الغربية، وحماية جيش من المستوطنين الذين سيهاجمون بين الحين والآخر الفلسطينيين" تحت إشراف جيش الاحتلال.
وذكر أن الاحتلال يحكم سيطرته على 40 % من أراضي الضفة الغربية وهي مساحات لا يتواجد فيها فلسطينيين بشكل مطلق، وحذر من أن الأخطر في الأمر هو توسع نفوذ المستوطنات التي تمتلك بشكل كامل وحقيقي 10 % من مساحة الضفة الغربية (مساحة البناء والنفوذ).
ورأي أن الاحتلال لا يريد "ضم الضفة" لـ"السيادة الإسرائيلية" بل يسعي إلى ايجاد كيان خاص للمستوطنين "دولة مصغرة للمستوطنين في الضفة"، ودلل على أن جميع المؤشرات تثبت أن "مجلس المستوطنات" يقوم بإدارة "كل ما يحصل في الضفة".
وبالتالي، بتقديرات خليلية، سيتحول "مجلس المستوطنات" من إدارة أمور ذاتية إلى "منظومة حكم ذاتي" يتمتع فيها ذات المجلس بصلاحيات التخطيط والتنفيذ وإدارة "أراضي الدولة" وجلب موازنات حكومية وجلب دعم مادي واسع من المنظمات الخارجية الداعمة للاستيطان.
وعلى مدار العقود الماضية، سرق الاحتلال ومستوطنيه أكثر من مليوني دونم من أراضي الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967 واستخدمتها لأغراض مختلفة، بما في ذلك بناء المستوطنات الجديدة وتوسيع نفوذ المستوطنات القائمة، وتخصيص مساحات زراعية وصناعية، فضلاً عن إنشاء شبكة من الطرقات تخدم المستوطنين بشكل أساسي، وفق منظمة "بتسيلم" الحقوقية.
أراضٍ متقطعة
وحول الإغلاقات الإسرائيلية، أفاد خليلية بأن الضفة الغربية شهدت ارتفاعا بالإغلاقات الجماعية بنسبة 40 % منذ الحرب الإسرائيلية على غزة وتضاعفت أعداد البوابات والحواجز العسكرية والإغلاقات الجديدة.
وقال إن هذه الحواجز والإغلاقات لا تهدف إلى فصل المحافظات فقط بل تعدت ذلك إلى فصل داخل المحافظات ذاتها، وذلك في "محاولة تشتيت المواطن الفلسطيني داخل أرضه ومحيطه".
ووفقا لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية) فإن قوات الجيش أقامت 119 "بوابة حديدية" جديدة منذ بداية الحرب على غزة، وتقوم هذه البوابات بمنع سكان القرى والمدن من الدخول والخروج وتقطع مجتمعات كاملة عن طرق النقل الرئيسية.
ويبلغ عدد الحواجز العسكرية التي يقيمها الاحتلال بمختلف أنواعها وأشكالها في الضفة الغربية حتى أكتوبر 2023، 567 حاجزا منها 77 حاجزا رئيسيا و490 حاجزا تشمل (سواتر ترابية، مكعبات إسمنتية، بوابات حديدية)، بحسب تقارير فلسطينية وأممية.
وقدّر أن هذا العدد ارتفع لنحو 900 حاجز بمختلف أنواعه، ومن وجهة نظره، ليس الإشكالية بالأرقام؛ كونها متذبذبة، بل بالمساعي الإسرائيلية من وراء تحقيق الأهداف العسكرية عبر تقسيم أراضي الضفة خارجيا وداخليا إلى جانب الأطماع الاستيطانية فيها.
وانتقد خليلية التقاعس الدولي والعربي عن نصرة الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، الأمر الذي شجع (إسرائيل) للمضي قدما في مخططاتها الاستيطانية والاستعمارية غير آبهة بالإدانات الدولية ولا الأممية.
وتعتبر الأمم المتحدة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية، وتحذر من أنه يقوض "حل الدولتين" وتدعو منذ سنوات إلى وقفه دون جدوى.
وبالتزامن مع "حرب الإبادة الجماعية" على غزة، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة والقدس ما أدى إلى ارتقاء أكثر من 937 شهيدا وإصابة قرابة 7 آلاف شخص، واعتقال 15 ألفا و700، وفق معطيات فلسطينية رسمية.
ونهاية عام 2024م، نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية تقريرا تحت عنوان "اكتمل بناء أركان دولة سموتريتش" في الضفة الغربية، وأشارت إلى أن هذه الحكومة المتطرفة تحاول "حشر الفلسطينيين في معازل" تحيط بها المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية من كل جانب.
وعزت هذه التغييرات السياسية إلى اتفاق "غانتس – سموتريتش" وهو إلغاء شرط موافقة وزير الجيش في كل مرحلة من مراحل خطط الاستيطان، وتجاوز اجتماع "المجلس الأعلى للتخطيط" أربع مرات فقط في العام بعقد اجتماعاته أسبوعيا للموافقة على الترويج لمئات الوحدات الاستيطانية في كل اجتماع عدا عن التخطيط لتهجير الفلسطينيين من خلال التوسع المتسارع لنشر البؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية على نطاق واسع في جميع الأراضي الفلسطينية.