لم تكن في تفكيرها، واهتماماتها تشبه من حولها من الفتيات، لم يكن اهتمامها مرتكزاً على نيل إعجاب الفتية الذين يقفون على قارعة الطريق ينتظرون الفتيات خلال خروجهن من المدارس، ليلقوا لهن بكلمات معسولة، ووردة حمراء، وعنوان فيس بوك لتبدأ رحلة النظرة، فالبسمة، فالحب، إلى آخر المتتالية السخيفة.
- أمي أحلم أن يكون لي كتب تحمل اسمي، أسهر الليل في تأليفها، وتنقيحها، وأتابعها حتى تبصر النور..
-ولكن أنا أحلم بأن يكون لك أولاد يحملون اسمك في شهادات ميلادهم.. تسهرين الليل على راحتهم وتربيتهم، وتتابعينهم حتى ترينهم رجالاً ونساءً كبارًا.
-ماذا تقولين يا أمي؟ هذا الكلام لم يحن وقته بعد، ربما سيأتي في وقت لاحق، أما الآن فإنني أخطط لمستقبلي العلمي، ألا ترغبين أن تريني دكتورة جامعية؟ ألن يعجبك أن تكون ابنتك أديبة معروفة، وعالمة في اللغة العربية؟
-منذ صغرك كنت أخشى عليك من أفكارك، الله يحميك من الشر.
-العلم ومتابعة الدراسة لن تكون شراً بإذن الله، ما دمت ملتزمة بديني، وأعمل ما يُرضي الله، فما الخلل في أن أخرج لطلب العلم؟
-البنات لهن البيت والزواج، وليس الجامعات، الجامعات للأولاد وليس للبنات.
-سامحك الله يا أمي، وماذا يضيرني لو خرجت من بيتي محتشمة بلباسي وسلوكي لطلب العلم؟ فترفعين رأسك بي عالياً، وتشيري إليَّ قائلة لمن حولك: تلك هي ابنتي التي ربيت.. ها قد أصبحت أديبة جادة لها مكانتها الرفيعة في المجتمع.
-لا تحاولي إقناعي.. أنا أكره خروج البنات من البيت، ولا أحتمل رؤية فتاة تعلو وتظهر بين الناس.. هل تريدين مني أن أكرر فعلة صديق والدك أبو المنتصر الذي أرسل ابنته للجامعة، فضبطها أخوها في علاقة مشبوهة مع شاب غريب؟؟ أم تريدينني أن أكون مثل فتاة قرأت قصتها على الانترنت خرجت من بيت والدها تدرس الصيدلة، فإذا بها تدرس الفنون وتتخصص في الغناء والرقص؟؟؟ أقسم أنني لن أدعك تخرجين من البيت.. لن أسمح لك بأن تلوثي نفسك.
-ألست متأكدة من تربيتك لي؟
-لا أريد كلاماً إضافياً في الموضوع.
عكفت تدرس الثانوية العامة، رغم المعيقات والمثبطات التي تلفها.. وبعد انتهائها انكبت على رواية تؤلفها عن فتاة كانت لها أحلام كبيرة كابدت من أجل أن تصل للهدف الذي نصبته أمام أعينها.. وصفت في روايتها المصاعب والتحديات التي واجهتها وكيف اجتازتها وتغلبت عليها.. انتهت من روايتها بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة وكانت العاشرة على مستوى الوطن.
حصلت على منحة دراسية، إلا أن والدتها حالت دون إتمامها لدراستها، وأقنعت والد الفتاة بأن يزوجها بدلاً من خروجها للجامعة.. تقدم لها ابن عمها وهو شاب بسيط ترك مدرسته في مرحلة مبكرة من المدرسة، يمتلك بيتاً وسيارة ودخلاً جيداً.
-تقدم لك أحمد ابن عمك.. ونحن موافقون..
-ولكن أنا غير موافقة.
-جميع البنات تتمنى شاباً كأحمد.
-ولكن ليس أنا، أنا أريد أن أذهب للجامعة.
-ستذهبين لبيت زوجك.
حوصرت، وحُبست في البيت، ومنعت من الاتصال مع صديقاتها، وأخذت والدتها على نفسها عهداً أن لا يتغير الوضع إلا بعد موافقتها على الزواج من ابن عمها.. حتى لو اضطرت لضربها.
بعد شهرين، كانت ترتدي ثوب الزفاف، وتنطلق إلى بيت زوجها، تضم حقيبة بين يدها في داخلها كتابها الأول.