فلسطين أون لاين

​هل تتحول النعمة إلى نقمة؟

...
غزة - فاطمة أبو حية

مما لا شك فيه أن النعم التي يمن الله بها علينا لا تُعدّ ولا تُحصى، ولكن كيف نقابل نحن هذه النعم؟ هل نشكر الله عليها أم نعتاد وجودها فننسى فضله عزّ وجل؟ إن نسينا الحمد والشكر هل تنقلب النعم إلى نقم؟

بالألفة ننسى

يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "ما أكثر النعم التي تحوينا، لكن الألفة والعادة غالبًا وكثيرا ما تُنسينا، والنعم تُعدّ لكنها لا تُحصى، وهي بلا شك فضلٌ من الرحمن الرحيم على هذا الإنسان الذي أخرجه الله تبارك وتعالى من العدم إلى الوجود، وأحاطه بما يضمن مقوّمات وجوده، كما في قوله عزّ وجل: (له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)".

ويضيف في حديثه لـ"فلسطين": "وهذه النعم ظاهرةٌ وباطنة، ظاهرة للناظرين والسامعين والقريبين والبعيدين، وباطنة في القلب والعقل، الأمر الذي حتم على الإنسان أن يعترف بهذه النعمة أولا، ثم شكرانها من بعد (أفادتكم النعماء مني ثلاثة، اليد واللسان والضمير المحجّب)، فاليد لإشاعة النعمة على الآخرين، ليشاركونا فيها لذّتها وسعادتها، وباللسان حمدا وشكرا وتمجيدا، والضمير المحجب بالحب والود والعرفان".

ويتابع: "لكن الناظر في دنيا الناس يرى منهم عجبا، حين يتنكر الإنسان لتلك النعمة، ولسان حاله (إنما أوتيته على علم)، وهو نكرانٌ يدل على صفة ذميمة من الصفات الإنسانية المنكورة، إذ يقول تعالى: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، وبالتالي فإن هذا النكران يعبر عن نفسه بالطغيان، ويقول عزّ وجل: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، والنتيجة الحتمية هي الخسران المبين، حينما تتحول النعمة إلى لبناتٍ يبني بها الطاغية جسرا إلى الجحيم، كما في الآية القرآنية (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا)".

ويوضح أبو توهة: "وهناك فرق كبير بين نسيان المؤمن لتلك النعم وسداد الضريبة فيها، وبين نسيان الكافر وإسداء الحق فيها، ذلك أن نسيان المؤمن هو طيفٌ لا يدوم بحكم صفة النسيان والتي من أجلها سمي الإنسان إنسانا، وذلك ما أشارت إليه سورة النحل في قوله تعالى: (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، إن الله لغفور رحيم)، فختام الآية ينم عن هذا النسيان المعفو عنه، أما نسيان الكافر فهو نسيان جحود واستكبار، وبالتالي ظلمٌ لنفسه، وكفر بالمُنعم، وذلك ما أشارت إليه سورة ابراهيم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار)".

ويبيّن: "لكن المؤمن سرعان ما يؤوب إلى إيمانه شاكرا حامدا: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)، أما الكافر فإنه لا يزال يتمادى في جحوده حتى يظن أن النعمة ما خُلقت له إلا لأنه جدير بها".

الاستدراج

ويقول: "وهذا النكران لنعمة الله تبارك وتعالى في حق الكافر يجعله في طريق الاستدراج، ومكر الله تعالى، حيث يمدّ له مدّا، فإذا ما كان في المكان العالي سُحبت الطاولة من تحت قدميه إما ذهابا للنعمة، أو ذهابا بنفسه موتا وهلاكا، كما في قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)، وبالتالي فعقوبة الدنيا هي امتلاء اليد والجيب، وخواء وفراغ القلب والنفس من الرضا والقناعة، وبالتالي ما أكثر المنتحرين من أصحاب الملايين والمليارات، وما أكثر المصابين بالأمراض العصابية ممن يمتلكون الدنيا بأشكالها وألوانها".

ويضيف مستندا إذ يقول عزّ وجل: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا): "إنها معيشة وليست حياة، ذلك أن هناك فرقا بينهما، فالمعيشة التي يقضيها الكافر لنعمة ربه هي قطع المسافة الزمنية من عمره كباقي الدواب التي تشاركه وتزاحمه في المأكل والمشرب، أما الحياة فهي أن يكون للحياة معنى وهدف وغاية: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)".

ويواصل: "هذا الجزاء العاجل في الدنيا، أما في الآخرة فإن النعمة ستكون حتما سبة ولعنة وحجة على الكافرين، أما المؤمن، فبالعكس من ذلك".

وبحسب أبو توهة، فإنه: "إذا وُجد الإيمان وتحققت دعائمه ومقوّماته، فإن الله سيوسّع دائرة الخير والعطاء لمن قابلها بالشكر والعرفان (وإذ تأذّن ربكم لأن شكرتهم لأزيدنكم)، وبالتالي فإن شكر المؤمن سيجعل حياته في امتداد واتساع (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته)، فرحمة الله تبارك وتعالى ستسعف المؤمن ليذكره إذا نسي، وذلك حينما يلهج القلب المُنيب لصاحب النعمة سبحانه: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وبالتالي سيستحيل في حق المسلم الذي مدّ خيوط وحبال التواصل مع من له خزائن السماوات والأرض أن تتحول النعمة إلى نقمة، وإلا فأين عطاءات وبركات الإيمان والإسلام!".