في غير مرة تواترت المعلومات القائلة بتدهور صحة محمود عباس رئيس السلطة الذي وصل به قطار الأعوام عند المحطة 87 عامًا، وتزامنًا مع كل تواتر يزدحم المشهد السياسي الفلسطيني بالحديث عن خليفة رئيس السلطة الذي أخذته شهوة الاستفراد بالقرار الفلسطيني إلى رسم وتحديد شكل ومضمون مرحلة ما بعد وفاته، فمع نجاح سياسة الإقصاء التي انتهجها داخل حركة فتح، والتي أحدثت فراغًا قياديًا واضحًا داخل الحركة، تجرأ على تحديد شخصية وريثه السياسي وباشر العمل لتثبيت أركان خلافته له، وجاء هذا بعد اطمئنانه على سلامة اعتقاد الوريث وحسن إيمانه باتفاق أوسلو، ذلك الاتفاق المنسوب إليه السبق والحصرية في شق صفنا الوطني والمتورط الأول في شطرنا إلى مشروعين متعارضين في الغايةِ والوسيلة، وقد تعاظم الانقسام بين المشروعين كثيرا في ظل محمود عباس وأعضاء فريقه الذين كانوا ولا زالوا أدوات نفخ في ناره، حتى بلغت ألسنته ارتفاعات نجحت في خفض مستوى تضامن الرسمية العربية والدولية مع قضيتنا.
حسين الشيخ وكل الشخصيات المحيطة برئيس السلطة لم تكن يومًا مقبولة لدى عموم أبناء شعبنا، نظرًا لما راكموه من سيرة ذاتية يعج حاضرها وماضيها بالشواهد القادحة في أهليتهم لقيادة شعب يرزح تحت الاحتلال، فأبو مازن وفريقه وعلى مدار 17 عامًا ثبَّتوا حقيقة أنهم مصدر استنزاف لأرصدتنا النضالية التي راكمناها بالتضحيات الجسام، فهم لم يتعمدوا الامتناع عن شق آفاق دعم وتضامن جديدة لشعبنا وقضيته العادلة فحسب، بل يتعمدون التقصير في حماية تلك الأرصدة من التآكل، كما يجردون جديد نضالنا من القدرة على حصد أي مكتسبات تمنح مشروعنا الثوري الإمدادات اللازمة لحسم صراعنا مع الاحتلال الحاصد اليوم مغانم إمساكهم بتلابيب القرار الفلسطيني.
فانظروا إلى أبواب التطبيع التي فُتحت لأنظمة عربية وازنة، لعب سلوك أبي مازن وفريقه دورًا لافتًا في تحرر تلك الأنظمة من قيود الخجل من اجتيازها وبأشكال ومستويات غير مسبوقة، بعد أن أسقطت اشتراطاتها السابقة للتطبيع، وتحولت إلى حليف داعم للاحتلال في وجه شعبنا
وانظروا إلى المسار القانوني الذي بوسعنا الاستثمار فيه بمستويات خادمة لقضيتنا، فهو غائب تمامًا عن جدول أعمال رئيس السلطة وفريقه، فأين حراكهم لملاحقة قادة الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية؟ وأين الاستفادة من تقارير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي تدين الاحتلال؟ وأين الاستفادة من التقارير الدولية التي تتهم دولة الاحتلال بأنها دولة فصل عنصري؟ وأين وأين وأين؟!
وانظروا إلى حال الذراع الدبلوماسية للشعب الرازح تحت الاحتلال، ذراع مشلولة غائبة عن ساحة استثمار كل جريمة وعدوان لفضح الاحتلال ووحشيته، وكسب المزيد من الدعم والتأييد، فأين حراك سفاراتنا الدبلوماسي المستثمر لجريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة؟ التي بلغ خبرها مشارق الأرض ومغاربها، ولاقت استنكارًا واسعًا على مستوى العالم.
وانظروا إلى المقاومة الشعبية التي وقعت مع أخواتها من أشكال المقاومة الأخرى تحت طائلة التجريم والمحاربة، وإصرار رئيس السلطة وفريقه على إبقاء يدها مبتورة، وتهربهم من وضع إستراتيجية وطنية تعيد إحياء المقاومة الشعبية بأشكال رادعة للاحتلال ومستوطنيه، مع نشاطهم الواضح في ميادين ملاحقة من يرفع سوطه وصوته في وجههما، واكتفاؤهم في كل جريمة وعدوان بحجز مقاعد التفرج، واجتهادهم في مساحات تحليل الحدث وتشخيص ما ستكون عليه الحالة الفلسطينية والإقليمية بعد كل جريمة وعدوان، مع خلو تصريحاتهم من أي تلميحات تحمل ولو حتى شبهة تهديد جدي للعدو وتحذيره من مغبة ارتكابه الجرائم والحماقات
وانظروا إلى غيابهم اللافت عن ساحة تثوير الجماهير وتحشيدهم في مواجهة عدوان المستوطنين السافر على المسجد الأقصى في يوم 29 – 5، ذلك اليوم الذي انفلتت فيه انتهاكات المستوطنين من عقالها، وشهد فعلهم كل ما هو محرم فعله داخل المسجد الأقصى، علاوةً على دورهم الفاعل في إبعاد القدس وأهلها عن دائرة الاهتمام والرعاية الرسمية المطلوبة لإمداد المقدسيين بقوة الدفع اللازمة لإفشال مخططات تهويد المدينة وتهجير أهلها.
بالنظر إلى حالة الغياب والتقصير التي أوجدها أبو مازن وفريقه، نقول قد تأكد لشعبنا أن أبا مازن وفريقه أصبحوا عبئًا على القضية الفلسطينية الممتلكة مقومات دعمها ونصرتها بأشكال لم تمتلكها أي قضية في تاريخ الشعوب، وتحول وجودهم إلى مطحنة لإنجازاتنا الوطنية، فلا يوهمنَّ أحدٌ الجماهير ويقول إن هذا الفريق يعمل لصالح القضية والوطن، كون أن تبني هكذا خطاب يجعله محافظا على منفعته المرتبطة بوجودهم، فالحقُ والحق أقول أن في حضرة رئيس السلطة وفريقه، المشروع الوطني في خطر عظيم، يجعل أوجب الواجبات الوطنية اليوم، تخلص الجميع من حسابات المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة التي تسارع بنا الخطى نحو الأسوأ.
قوى، وفصائل، وهيئات، وتكتلات، ونخب، كلٌ يتحرك حسب استطاعته وبالطريقة المناسبة لقطع الطريق على مخططات إطالة عمر منهجية أبي مازن وفلسفته في التعامل مع الاحتلال عبر تعيين خليفته من المؤمنين بعقيدته الأوسلوية.
شعبنا المرصوص حول بنيان ثوابته أبدع كثيرًا في مقاومة الاحتلال، وسيبدع كثيرًا في إيجاد آليات إسدال الستار على حقبة أبي مازن وفريقه.