"وفاة الرئيس محمود عباس". خبر عاجل انتشر على وسائل التواصل والمواقع الإخبارية في الأيام الماضية وذلك بسب ما يشاع عن مرضه الشديد بالسرطان، وقلة ظهوره في الإعلام بالإضافة لعدم مشاركته في مؤتمر هام في رام الله الأربعاء 8 يونيو الماضي وخروجه بتسجيل صوتي، عدا عن الصور التي نشرها مكتبه والتي تثير الريبة حول وضعه الصحي.
مما لا شك فيه أن خبر وفاة محمود عباس الذي ناهز التسعين من عمره ويعاني من أمراض كثيرة بات قريبا جداً، لكن من حوله يفضلون التكتم الإعلامي على صحته، فهل هناك مهام عالقة يجب أن يقوم بها عباس بنفسه قبل تولي خليفته أم أن إسرائيل لم تجد بعد من يخلفه ولم تثق بمن حوله من قيادات يستطيع الكيان الصهيوني أن يتجاوز به عقده الثامن دون تهديد انتهاء دولته المزعومة.
لقد انقسم مروجو خبر وفاة أبو مازن بين كارهين يتمنون أن يكون الخبر حقيقياً بسبب ما نالهم منه من ظلم؛ ولا عتب عليهم أن يتمنوا وفاته فلا يمكن لنا أن نتوقع من المظلومين -وما أكثرهم بين أبناء شعبنا- أن يسامحوه أو يدعوا للذي أدار لهم ظهره بالرحمة.
ففي حكم محمود عباس انقسم الشعب الفلسطيني لقسمين في الضفة وغزة وحاصر شعبه بغزة وانقسمت حركة فتح في داخلها لأقسام عديدة وحرم شعبنا انتخابات شاملة كبقية شعوب العالم، وفي عهده نقلت السفارة الأمريكية للقدس، وزاد التطبيع العربي مع الاحتلال بذريعة تمسكه بالتنسيق الأمني وعلاقته بالاحتلال، وفي عهده قل الخير وزادت معاناة الناس، وزاد الأسرى وزاد الاستيطان ونهب الأراضي الفلسطينية، فماذا بقي أن يفعل؟
أما الاحتلال الصهيوني، من لا يمكنه تجاوز عباس ولا حياته أو نسيان خدماته طوال فترة حكمه، فهو لن يتجاهل الخدمات الكبيرة التي قدمها لكيانه، فالصهاينة يفضلونه عمن سواه ليجتاز كيانهم عتبة العقد الثامن وعقدة الخوف من زوال كيانهم الغاصب، أضف لهذا الفريق من حول أبي مازن في المقاطعة؛ الذين يسعون ليتجاوزا ما قد يسببه موت أبو مازن من تهديد لمصالحهم بين متعجل لأن يكون بديلا -حسين الشيخ- ويظهر علينا بين اللحظة والأخرى قائلا: "الرئيس بخير"، وبين احتلال يخشى أن يفقد سيطرة أبو مازن على من حوله وفي غمرة خلافهم تنشط المقاومة الفلسطينية في الضفة وتنفلت من عقال السلطة وتكون وبالا على الاحتلال.
في أواخر عهدنا بالرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار"، سمعت محبيه يقولون: مات الموت سبقه سؤالهم "مين مات" وكأنهم لم يصدقوا أن عرفات مات، ثم قالوا: "ياسر حبيب الشعب والشعب ما بيموت"، هذه المقولة علقت في ذهني فلماذا لم يقولوا "أبو مازن ما بيموت"، هذا يؤكد أن شعبنا لن ينسى ما فعله عباس، يختلف الحديث عندما نتحدث عن قائد ثورة وعندما نقارنه بمن سرق الثورة وصادر حياة الناس ونهب مقدرات شعبه وقدمها على طبق من ذهب للاحتلال ومن قسم الوطن لنصفين، فحاصر نصفه وتسلط على رقاب النصف الآخر، نعم يختلف من قال: "شهيداً ..شهيداً" عن من قال: "بعيش تحت بساطير الاحتلال" وتنازل عن صفد وتخلى عن حق العودة وأدان العمليات الفدائية وأنكر على شعبنا المقاومة والدفاع عن حقوقه ومقدساته، ومن كان حريصا على رفاهية الشباب الإسرائيلي وضمان مستقبلهم حتى الرمق الأخير.
حالة من التندر والسخرية من اختفاء أبو مازن وعدم التصريح بحالته الصحية إلى أن وصل ببعضهم القول: "وفاة الفريق الطبي للرئيس بعد صراع مع محمود عباس" وآخرون قالوا "مات المرافقون" بسبب غيابه الطويل، وتكهنات النشطاء وسببها إخفاء المعلومات عن غياب أبو مازن بغض النظر عن ترتيبات إعلان وفاته أو تجهيز خليفته أو حتى اتخاذ قرارات وتحضيرات خاصة.
إن كنا نستعد لخبر عاجل مفاده: وفاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في أي لحظة فعلينا أن نضع نصب أعيننا أن خليفة عباس سيكون بالوراثة، فالتنسيق الأمني قيَّد إرادة شعبنا؛ والاحتلال لن يسمح لشعبنا باختيار رئيسه، كما أنه لا يوجد هناك أي مسوغ قانوني لمن سيستلم دفة القيادة بعد أن قرر عباس تعطيل المجلس التشريعي حتى لا تنتقل رئاسة السلطة في المرحلة الانتقالية لرئيس المجلس التشريعي (د. عزيز دويك)، وهذا السيناريو المحتمل سيأخذنا لسيناريو آخر عنوانه اشتباك قيادة المقاطعة للوصول إلى أكبر حصة في الكعكة، وهو ما قد يجر الحالة الفلسطينية لمزيد من الانقسام بسبب أبو مازن أيضا الذي قرر مؤخرا تكليف مسؤول التنسيق الأمني مع الاحتلال والقيادي في فتح حسين الشيخ منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ونقل له بعض المهام المنوطة به.
بالتالي أصبح الأمر واضحا وجلياً، إسرائيل ترى أن عباس خيار وحيد وتعقد عليه آمال البقاء، وعباس يرى في حسين الشيخ "أفضل خليفة له" بالنسبة للكيان الإسرائيلي بما يضمن حماية مشروعه الصهيوني في عقده الثامن الذي لم يخف كبار المسؤولين الإسرائيليين خشيتهم من أن يشهد بداية انهيارهم وقرب نهاية دولتهم... فهل يسمح شعبنا المقاوم بتكرار تجربة عباس أم سيكون له رأي آخر؟