فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

"هند رجب" تحوَّل رحلة استجمام لضابط "إسرائيليّ" إلى مطاردة قانونيَّة بقبرص.. ما القصَّة؟

ترامب وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمشرق العربي

بخيام مهترئة.. النَّازحون في غزَّة يواجهون بردِّ الشِّتاء والمنخفض الجوِّيِّ

تقارير عبريَّة: هكذا هزمتنا فلسطين إعلاميًّا.. وأبو شمالة يعلِّق: الاعتراف نتاج للواقع الميدانيِّ بغزَّة

دبلوماسيّ سابق لـ "فلسطين أون لاين": استمرار الحرب على غزَّة يساهم في شلِّ قدرة الاحتلال

أوقعتْ 20 قتيلًا.. الداخليَّة بغزّة توضح تفاصيل حملةً ضد عصابات سرقة شاحنات المُساعدات

إنَّهم يألمون.. حزب اللَّه يكشف عن مصير ضبَّاط إسرائيليِّين توغَّلوا في لبنان (فيديو)

"ملحمةُ الطُّوفان".. القسّام تبث مشاهد لمخلفات جنود قتلى وبدلة ملطخة بالدماء في معارك شمال غزّة

تعذيب عبر "فتحة الزنزانة".. شهادات جديدة لأسرى من غزَّة يكشفون كيف تفنَّن الاحتلال في تعذيبهم

ضيف غير مرحَّب به بملاعب أوروبَّا.. هزائم رياضيَّة بأبعاد سياسيَّة لـ (إسرائيل)

​كرامة القطيع من فوق أعواد المشانق

بتُ الآن أرى الحياة كأنها امتحان أبله يطلب منك أن تعيد ذات الإجابات كصدى الصوت، ثم يأتي من يعطي لنفسه الحق في امتلاك زمام أمرك، ليعلن بعد ذلك رسوبك في الامتحان. ووحدهم الخائنون من يتصالحون مع المعتدين ويتمسكون بهم رفقاء درب، رغم الاختلافات الجذرية الكثيرة التي تشتتهم عن بعض وتفرقهم في كل شيء.. فدائماً الحكاية هي حكاية عبيد وسادة، سادة يأمرون، وعبيد يطيعون، ولولا أن العبيد أحنوا رؤوسهم، حتى اقتربوا من الأرض وسمحوا للسادة بأن يعتلوا ظهورهم، ما بقي السيد سيداً ولا العبد عبداً.

وبما أن الحرية هي الطريق إلى الإنتاج، والتطور، والحياة الكريمة التي تليق بالبشر، والقمع هو السمة السائدة في عالمنا العربي على جميع المستويات، بدءًا بالأسرة الصغيرة وانتهاءً بالدولة وأنظمتها والاحتلال والاستعمار بصوره الحديثة المتعددة والمتطورة.. والقمع الذي إذا ما بقي على حاله سيفقد بني البشر في هذا العالم الممتد من المحيط إلى الخليج معاني الحياة النبيلة التي تعزز روح الانتماء لديهم وتمكنهم من الارتقاء به، فلا بد من الإصرار على الحصول على هذه الحرية، مهما صَعُبَت الطريق، واشتدت الكُربات، وتعاظمت العقبات.. وإلا فسيبقى العبد عبداً.. والسيد سيداً.. ولن نرتقي يوماً ولن نستعيد مكانتنا المتقدمة بين الأمم.. فــ "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"..

تجري مبادئ الأحرار في عروقي مجرى الدم.. أتنفسها.. تتشبع روحي بها.. حفظت مقولة والدي رحمه الله منذ صغري عن ظهر: "لا تتنازل عن كرامتك، ولا تقبل المهانة.. حتى لو كلفك ذلك روحك".. رغم أن من حولي دائماً ينصحونني "أن لا أركب رأسي" وأن لا أبقى مصراً على موقفي وإلا فإنني سأكون الخاسر الأول والأخير، فمصلحتي تستوجب أن أُبدي بعض المرونة، وأتناغم مع التيار العاتي الذي يجرف كل شيء في طريقه، وكيف لا يكون ذلك، وهذا التيار الجارف لا يستوعب أي شخص يعارضه، ويفكر بغير فكره، ويتكلم بغير لسانه؟ دعوني أقص عليكم حكايتي حتى لا أطيل عليكم بتفاصيل قد لا تكونوا غير معنيين بالاطلاع عليها، وسأحاول الاختصار قدر الإمكان، أما النهاية فسأترك غيري يسردها لكم، ولثقتي بأن تفاصيل قصتي باتت تتكرر في كل مكان في هذا العالم العربي من المحيط إلى الخليج بالتفاصيل ذاتها.

عن العربي المقهور داخلي أكتب، عن ذلك المسحوق الذي قدِم إلى دنيا تمتهن كرامة الإنسان دون ذنب منه. نما وترعرع، وأخذ يبصر الدنيا بعيون طفولية وبراءة، ولكن عندما كبر وجدها تكشر عن أنياب لم يعرفها، أو حتى يعتقد بوجودها.. وتبرز مخالبها القاسية في وجهه استعداداً للفتك به.. هو لم يرتكب إثماً، فقط هو إنسان ولد في بلاد العرب، ولسانه نطق لغتهم دون إرادة منه، هو عربي، قد رضع الحرية والكرامة مع حليب أمه، فتأصلت في نفسه وتقدمت على كل شيء، حتى أخذت الترتيب الأول، حتى حياته لم تكن بمرتبتها.. هو يأبى أن يكون عبداً.. كيف يكون ذلك وقد خلقه الله حراً؟ رفض الإذلال الذي تفرضه عليه معادلات طاغية باغية سائدة في المجتمعات.

بتفاصيل أجهلها تماماً، ومن دون أن أدري كيف أو لماذا وجدت نفسي خلف جدران رطبة مقيته، تحجب عني ضوء الشمس ودفئها، لا نوافذ فيها.. فقط في مقدمتها باب معدني سميك، في أعلاه كوَّة صغيرة محاطة بقضبان حديدية غليظة.. لم أعد أرى نور النهار.. ولم أعد أدري متى أتى يوم أو متى ولى في حال سبيله.. تشابهت الأوقات أمامي حد الجنون. غابت الحياة ومعانيها عني وكأني أُبعدت إلى كوكب آخر غير الأرض في مجرة أخرى غير درب التبانة.. حفلات تعذيب وإذلال وامتهان كانت قدري المكتوب، وفي نهاية كل منها يطلبون مني الاعتراف.. الاعتراف على ماذا؟؟ وليس لدي ما أعترف به.

-اعترف بأنك تنتمي لجماعة إرهابية تريد تقويض أمن البلد!!

كان ذلك هو الرد الدائم على سؤاله.

شهور من التعذيب، عُرض بعدها على محكمة.. القاضي فيها يتكلم بلسان سجانيه، والمحامي لا وجود له، أما الحرس فكانوا من العسكر المدججين بالسلاح وكأنهم في أرض معركة شرسة، مع عدو خطير مصممون على هزيمته.. كان هؤلاء العسكر يحيطون به من كل جانب.. كيف لا وهو المجرم الخطير.

ودون أن يدري لماذا، صدر الحكم بحقه.. الإعدام شنقاً.. صرخ:

-هذا ليس عدلاً.. لماذا؟ ماذا فعلت؟

-أنت إرهابي!.

-أنت تمس بأمن الدولة واستقرارها!

-ماذا تقولون؟ أحقاً أنتم عقلاء؟

-اتقوا الله أيها البشر!

-أنت خرجت عن صف القطيع الذي نسوقه، وكذلك سولت لك نفسك بأن ترفع رأسك، وتفكر بمفردات خطيرة مثل: حرية وكرامة وعزة... الخ، وهذه مفردات نعمل جاهدين منذ زمن بعيد لاستئصالها من نفوس المواطنين الشرفاء الوطنيين.. وجودك غدا خطر لا نستطيع تجاهله.. لهذا يجب أن تنال عقابك، وتكون عبرة لمن يعتبر.. حتى لا يوسوس الشيطان لأناس آخرين لأن يحذو حذوك. واحمد الله أنك لا زلت حياً حتى الأن فلم يفتكك بك الحريصون على الوطن وأمنه في السجن.. بل تريثوا حتى تصدر المحكمة حكمها العادل، وليأخذ العدل مجراه..

عاشت العدالة!!

وعاش الوطن نظيفاً من أمثالك!!.