في أحدث نسخة تصريحات لرئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت قال: إن حكومته تدعم وبقوة مسيرة الأعلام (الإسرائيلية) المقررة يوم 29 أيار (مايو) الشهر الجاري، وسيكون خط سيرها نحو منطقة باب العمود والدخول لباحات المسجد الأقصى أي الاحتكاك العمد بالفلسطينيين وتأجيج مشاعر المسلمين في القدس المحتلة، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الوضع الميداني، وبينيت صاحب الحكومة المترنحة بعد استقالة عضو الائتلاف عيديت سيلمان في نيسان (أبريل) الماضي ثم أعقبتها استقالة شمريت مئير، المُستشارة السياسية للحكومة. علل دعمه للمسيرة بأنه يقف خلف كيانه جيش قوي، وحكومة قوية، ونقلت صحف أجنبية عن أعضاء في المعارضة بحزب الليكود اليمني أنهم يستعدون لتقديم مشروع قانون للكنيست بحل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، بعد استقالة أحد أعضائها الرئيسيين في الائتلاف الحاكم مؤخرا.
ويعني ذلك عودة محتملة لزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي يستعد لصدارة المشهد السياسي في الكيان الصهيوني، فالحكومة الحالية في حالة مضطربة وتخبُّط بعد تقديم عضوتين منها استقالتهما، وعلى الرغم من أنها أدارت ملفات مركزية داخلية بحذر شديد مثل ملف كورونا، و حصولها على ثقة الكنيست في تمرير موازنة الحكومة للعامين 2021-2022 وعد هذا التصويت بالإنجاز الكبير للحكومة، غير أن استقالة عضو حزب النائبة من حزب "ميرتس" اليساري، الشريك بالحكومة، غيداء ريناوي زعبي، تهديدًا صريحًا لبنيت وحكومته، حتى أنه أدلى بتصريح اعتبر فيه استقالة زعبي تهديد حقيقي لأمن (إسرائيل)، غير أنها أعلنت العدول عن الاستقالة بعد مباحثات وزارية معها للتراجع، ورغم ذلك كانت صورة حكومة بنيت مهتزة أمام عين المستوطن الصهيوني أو أي فرد في الكيان، فضلًا عن تقييم التجمعات الصهيونية في الداخل للحكومة، فيما يتعلق بتعاملها مع تصاعد العمل المقاوم الفلسطيني في الضفة المحتلة، والتصدي المثالي للمرابطين في الأقصى لاقتحامات الجماعات اليهودية الاستيطانية لباحات المسجد، حيث عمدت حكومة الاحتلال إلى تقليل حدة الاحتكاك ومنع دخول كثيف للمستوطنين إلى المسجد الأقصى، خشية تدحرج الأوضاع وفقدان السيطرة على ميدان الحدث، وكانت لتهديدات المقاومة في غزة بالغ الأثر في ضبط إيقاع الأحداث، والتقليل من اقتحامات المستوطنين. ومع إعلان جماعات صهيونية متطرفة الدعوة لتجديد الاقتحام للمسجد الأقصى عبر مسيرة الأعلام يوم 29 أيار (مايو) الجاري، وتوزيع منشورات دعوة الاقتحام وعليها صورة لجرافة صهيونية بلدوزر تقوم بهدم قبة الصخرة داخل باحات المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع الفصائل الفلسطينية المقاومة على إرسال إنذارات تحذير واضحة لحكومة الاحتلال من عدم الإقدام على تمرير المسيرة، وإبلاغ الجهات الدولية والوسطاء أن مثل هذا الفعل سيجلب بالضرورة تصعيدا عسكريا كبيرا، وتعهدت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بالوقوف بحزم في وجه المسيرة وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أن حركته لن تسمح مطلقا باستباحة الأقصى والعربدة في شوارع القدس"، و قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة إن "المقاومة ملتزمة بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى". وتجدد جماعات الهيكل المزعوم دعواتها دون النظر في عواقب الأمور، وجماعات الهيكل تكتُّل يُطلَق على عدد من المنظمات والحركات القومية والدينية اليهودية اليمينية المتطرفة، التي تستهدف مدينة القدس المحتلة وخاصة المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه. لاعتقادها بأن خلاص الشعب اليهودي لا يبدأ فقط من السيطرة على ما يسموه (أرض إسرائيل) الكاملة، وإنما من خلال السيطرة على "جبل الهيكل" تحديدا. على حد زعمهم، ومن تلك الجماعات منظمة إحياء الهيكل ويتزعمها هليل وايز، وحراس الهيكل وتضم: معهد الهيكل أسسه كل من "يسرائيل أرييل"، و"موشي نيمان"، و"مايكل بن حورين"، و الحركة من أجل إنشاء الهيكل: يرأسها يوسف البويم، وتصدر هذه الجماعة منشورات تحريضية في أوقات الأعياد اليهودية، ولا سيما المرتبطة منها بـ"الهيكل"، مثل ذكرى "خراب الهيكل" المزعوم يوم 9 أغسطس، إضافة إلى مدرسة الفكرة اليهودية والتي أسست على يد نشطاء من حركة كاخ الإرهابية، والتي رفعت الولايات المتحدة الأمريكية الحظر عنها حديثا، وجماعة بناء الهيكل": ويرأسها "ديفيد إلباوم". كما هو موضح في مركز المعلومات الوطني الفلسطيني من بيانات ومعلومات. إن تسيير هذه التظاهرة الكهنوتية الصهيونية يعني تفجير الأوضاع من جديد، وهو أمر يستعد الفلسطينيون لمنعه مهما عظمت التضحيات، وهي رسالة من قادة المقاومة الفلسطينية في غزة أن لا تصبوا الزيت على النار، وهو تهديد مشابه للرسالة النارية التي وجهها رئيس حركة حماس إسماعيل هنية لرئيس الحكومة الصهيونية السابقة بنيامين نتنياهو حين قال "لا تلعب بالنار" فكانت أكبر ضربة صاروخية لـ(تل أبيب) بـ 130 صاروخًا، وغيرها لمستوطنات صهيونية كثيرة منها قرب غزة وأخرى مناطق بئر السبع وعلى إثرها سقطت الحكومة ووقع نتنياهو في مصيدة المحكمة التي طالما تهرب منها خشية الوقوع في السجن، وانتهاء مستقبله السياسي، و يعتقد أن تصعيد رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت من لغة الخطاب بنبرة تحدٍ موجه للفلسطينيين حول مسيرة الأعلام يعود لقناعته أن سقوط حكومته الضعيفة هي مسألة وقت، ويرغب أن يحافظ على شيء من مستقبله السياسي، وكيف يكون مستعدًا لخوض الانتخابات القادمة، وبالتالي عدم الوقوع في خسارة كبيرة تفقده حياته السياسية، بينما التهديد الفلسطيني لا يأخذ في الحسبان الاعتبارات الصهيونية الداخلية، وكل فلسطيني لديه من الإرادة والاستعداد للتضحية من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى، وإفشال مخططات الاحتلال لفرض وجودهم تحت شرعية زائفة ما يدفع الاحتلال للانكفاء والحاق الهزيمة، فإصرار الجماعات اليهودية على اقتحام الأقصى هو تمامًا صبٌّ للزيت على النار وإشعال نار حرب جديدة وعدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني ومقدساته، وهنا يجب أن يتحمل الوسطاء الإقليميين والدوليين مسؤولياتهم تجاه لجم العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والكف عن استفزازهم باستمرار مسلسل الاقتحامات، وسيكون العالم من جديد أمام اختبار الأخلاق والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، دون أن تجرها المراهقة السياسية (الإسرائيلية) لمخاطر جمة قد لا تستطيع قوة بشرية أن توقفها.