شاء الله أن تشهد الذكرى الأولى لمعركة سيف القدس جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية المناضلة برسالتها الإعلامية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة، جريمة الاغتيال دليل على تقوقع الاحتلال في متلازمة الخوف من ملاحقة الصورة لجرائمه التي يسعى دائما لعدم ترك بصماته عليها، جاءت جريمة الاغتيال لتنشيط ذاكرتنا واستدعاء ما فيها من مشاهد استهداف 59 مؤسسة صحفية محلية وعربية ودولية خلال معركة سيف القدس، وتذكيرنا بمشهد اغتيال الصحفي يوسف أبو حسين، كلها استهدافات تعكس إجرام الاحتلال وحرصه على إرهاب الصحفيين وجعلهم في حالة خوف وعزوف عن التواجد في المناطق التي يمارس إجرامه فيها، لقطع الطريق على التقاط الصور التي تدينه وتفجر مشاعر التعاطف والتضامن العربي والإسلامي والدولي معنا.
عامٌ مضى على معركة سيف القدس التي اندلعت في إطار استجابة غزة لاستغاثات المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وعبر صواريخ العزة التي غادرت مرابضها بحكمةٍ وذكاء مُنطَلِقة إلى حيث أساء وجه العدو وأثخن فيه، بعثت غزة في حينه برسائل كثيرة تقدمها في الأهمية التأكيد على رفضها المطلق للاستفراد بالقدس وأهلها، كما جاورها في الأهمية تأكيد غزة على مغادرتها مربع الانشغال بالحصار الملتف حول رقبتها منذ عقدٍ ونصف، يقصفُ أهلها بشتى صنوف المشقة والبؤس، حصارٌ غاشم أرادوا به أن تبقى غزة غارقةً في تفاصيل العمل على تخفيف تداعياته وتنصرف عن قضايانا الاستراتيجية،، اعتقدوا أنهم قد نجحوا وصنعوا بحصارهم قيدا يُكبل غزة ويجعلها مضطرة للقعود مع من يعشقون القعود، وظنوا أنهم قد جعلوها كأولئك الذين يبخلون على القدس بما تحتاجه استحقاقات معركة كف يد العدو عنها، لكن وكعادتها، أبدعت غزة وسددت في العاشر من مايو العام الماضي (2021) أول رشقة صواريخها صوب هذا المخطط اللعين، وكتبت بيان الانتصار عليه وتركت أشلاءه تتناثر في سماء القدس.
قادت غزة معركة سيف القدس بجرأة وشجاعة مُدججة بقوة ردع صُنعت في محاضن رجالها الذين أحسنوا إعداد العُدة للحظة الاشتباك مع العدو المتربص بنا في كل وقتٍ وحين، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فانشغلوا بالتفكير فيما يُبقي ذكراهم خالدةً ماجدةً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رجال تصنيع صواريخ المقاومة اختاروا تخليد ذكراهم بإبداعٍ وفكرة تُطيل ذراعنا وترفع منسوب قوتنا وقدرتنا على ردع العدو، وكان لهم ما أرادوا، فرأينا بفعل صواريخهم العدو وهو يقبع في قبضة الضعف والهوان، يقف عاجزا لا يقوى على صد ضربات إبداعاتهم التي وضعتنا في صورة قوته الحقيقية، وكشفت مدى هشاشته، بعد أن سدد سيف القدس صواريخه إلى حيث شاء وقت شاء داخل المدن والمغتصبات، ولم تقوَ صواريخ القبة الحديدية على اعتراض تلك الصواريخ التي اخترقت تحصينات العدو وهي تردد قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
من تابع كتابات وتحليلات أصحاب القراءة السياسية للأحداث خلال معركة سيف القدس وجد نفسه أمام أقلام تفيض بسيل جارف من التفاؤل واليقين بالنصر على عدونا الذي تجلى ضعفه وهشاشته بمستوى جعلهم يطالبون المقاومة بفرض شروط للتهدئة مع العدو، وأعطوها حكم الوجوب السياسي، صحيح أن شروطهم تجاوزت في حينه عنوان معركة سيف القدس وأهدافها، وحلقت بعيدا في سماء ما نرجوه، لكنها عكست ثقتهم في المقاومة، وفي قدرتها على انتزاع ما نريده من الاحتلال، وعن وصول مطالبنا إلى سقوف ليس مقبولًا خفضها أو مجرد الوقوف عند حدودها في أي معركة قادمة لن يغيب عن عنوانها القدس التي تستظل غزة بقدسيتها، وما زالت تشهر سيفها البتار الشافي لصدور شعبنا وأمتنا بتعاظم قدرته على ردع العدو، وعلى إحداث المزيد من التآكل الاستراتيجي في وعي جمهوره وتجفيف منابع الأمل بالعيش على أرضنا، سيف القدس الذي حرَّك في دواخلهم عقدة عدم تجاوز دولتهم المزعومة العقد الثامن، وأسكن فيهم الشعور بالانهيار وصاروا ينتظرونه، سيف القدس جعلهم يعرفون جيدًا ماذا تعني لنا القدس والأقصى، وماذا يعني أن تغضب غزة وأخواتها لأجلهما.
معركة سيف القدس أتاحت لنا رؤية حقيقة أننا سلاح رادع يخشاه اليوم الاحتلال كثيرا ويحسب له ألف حساب، والشواهد المؤكدة على ذلك حاضرة في المسجد الأقصى وفي الشيخ جراح، وفي تعامله مع جنين المصدرة لجل منفذي العمليات البطولية الأخيرة، والشاهد الأبرز كان في تعامله مع غزة التي جعلت خطوطه الحمراء باهتة لا قيمة لها، تجتازها بقتل جنوده وقصف شواطئه، وهي تعلم أنه لن يتجاوز ما ثبتته من خطوط حمراء ليقف عندها، وتتوعده بمضاعفة قصفه إن تجاوزها.
لقد رسخت معركة سيف القدس في وعي الجميع حقيقة أن أبناء الشعب الفلسطيني قد نجحوا في أن يكونوا سلاح يردع الاحتلال ويلجمه، ورسخت حقيقة أننا بإشعال كل ساحات الاشتباك وتوحيدها قادرون بإذن الله على اقتلاعه وإلقائه بعيدا عن أرضنا.