أصدقائي.. لا تعدّوني فيلاً شريراً عندما تسمعون أن أبرهة الأشرم ملك الحبشة قد ركب فوقي وأمرني أن أضرب الكعبة برأسي الضخم القوي.. أبداً أنا لست شريراً.
ولدت في أدغال إفريقيا.. كانت أمي تعتني بي وترضعني وتحميني من الأعداء الكثر الذين يحاولون افتراسي.. لم أكن أعلم حجم المخاطر الموجودة في العالم وأنا أركض هنا وهناك بسعادة غامرة.. ذات صباح ركضت بعيداً عن أمي، فإذا بي أعلق بشباك التفت حولي.. صرخت.. ناديت، ولكن مخلوقات غريبة تمشي على رجلين وليس على أربع مثلنا نحن الحيوانات وتحمل بين أيديها أشياء معدنية مخيفة وأغصان أشجار سميكة بدأت تضربني على رأسي بلا رحمة.. لا أدري ما حدث ولماذا..
ولكني وجدت نفسي داخل قفص ضيق. وبدأت رحلة العذاب تحت تهديد سياط وعصي ضربوني بها بقسوة كلما رفضت الانصياع لأوامرهم.. أخذوا يدربونني على رفع قوائمي الأمامية عندما يأمرونني بحركة حفظتها جيداً، وبحركة أخرى فهمت أنهم يأمرونني أن أتقدم.. وبأخرى أن أتراجع، وحركات تأمرني أن أضرب برأسي... وهكذا.
كنت أشتاق لأمي جداً، وأتمنى رؤيتها وأنا محتجز في القفص في نهاية كل يوم منهك القوى متعب..
كبر جسمي، وازداد استيعابي لما يحدث، وأتقنت الاستجابة للأوامر مع مضي الوقت، وعندما أُخطئ يضربونني، ويمنعون عني الطعام والماء يوماً كاملاً، حتى أشعر أني سأموت عطشاً وجوعاً.. فأصبح حذراً في اليوم التالي وألتزم تعليماتهم. كانوا قساة القلوب جداً.. حتى الأسود في الغابات لم تكن بقسوتهم.
لم أعلم ماذا يريدون مني، إلا حين ركب ظهري شخص أظهروا له جميعهم الإجلال والتقدير وكانوا ينحنون أمامه ولا ينظرون في وجهه بل يخفضون أبصارهم أرضاً، سمعتهم يذكرون اسمه" أبرهة".. ساروا بي لمسافات طويلة وأيام وليالي. كنت طوع إشارتهم، لأني أعلم تماماً ما ينتظرني إن لم أُطع أوامرهم بحذافيرها!
سمعتهم يقولون إننا ذاهبون لمكان يُقال له مكة في بلاد العرب.. وسمعت أيضاً أن فيه بيتًا يُسمى الكعبة، وأننا ذاهبون لهدمه.. وأنني وإخوتي الفيلة الآخرين من سنفعل ذلك، لم يكن ذلك يعنيني في شيء لأني لا أعرف لم يفعلون ذلك، المهم أن يقدموا لي الطعام والشراب وألا يضربوني بعصيِّهم.
اقتربنا من مكة. امتلأت مكة ببيوت هرب أهلها للجبال عندما سمعوا بقدومنا.
كانت الأرض ترتج تحت وقع أقدامي الثقيلة.. دخلنا مكة، وأمرني الرجل الذي يدربني أن أُهاجم بيتاً عتيقاً مهيب الشكل يبعث الرهبة في النفوس.. لأول مرة أشعر بخوف مثل هذا الذي سيطر عليَّ بمجرد أن نظرت للكعبة.. رفضت أن أستجيب لهم.. ووليت الفرار وتبعني إخوتي الفيلة.. ضربوني بعصيهم بقسوة شديدة، وأمروني بالعودة.. ولكني رفضت بإصرار.. كنت مرعوباً.. فليحاربوا بعيداً عني، لا شأن لي بما يفعلون!
صرخ ملكهم بحدة آمراً أن يعيدوني.. رفضت، وغرست أقدامي في الأرض، لن أقترب من ذلك المكان مهما حدث.
وبينما نحن في صراع، يريدونني أن أتقدم، وأريد أن أعود من حيث أتيت، إذا بطيور سوداء كل منها بحجم الحمامة تقترب من بعيد بأسراب غطت صفحة السماء.. دبَّ الرعب في قلوب أبرهة والجيش المرافق له، ولكنه ظلَّ على إصراره في تنفيذ ما قدم لفعله..
كان الطيور تحمل في مناقيرها حجارة صغيرة.. أخذت تسقطها على المعتدين.. وكل حجر يسقط على شخص قتله.. قفزت بسرعة فسقط أبرهة عن ظهري.. وهربت مرعوباً من هذا المكان.