شهدت الأسابيع الأخيرة، حالة من تبادل الضربات الإسرائيلية الإيرانية، وصلت ذروتها في استهداف مقر الموساد في أربيل شمال العراق، رداً على ضرب مصنع للطائرات بدون طيار بمدينة كرمنشاه الإيرانية، مما يجعلنا أمام جملة من السيناريوهات المتوقعة لاستشراف هذه المواجهة المتصاعدة.
يتزامن هذا التوتر المتزايد بين طهران و(تل أبيب) مع خلاصة توصل إليها خبراء العسكرتارية الإسرائيلية على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم القيادية، ومفادها بأن دخول إيران إلى عتبة الدولة النووية يعني إضرارا مباشرا بالأمن القومي الإسرائيلي، مما يثبت توجهات معظم الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية التي تعلن أن إيران تعمل بشكل دؤوب على تطوير ما لديها من تكنولوجيا، تمهيدا لامتلاكها قدرات نووية.
يخشى الإسرائيليون أن تستغل إيران الانشغال الدولي بالحرب الأوكرانية الروسية، وسط رغبة دولية بإنجاز الاتفاق النووي، الأمر الذي دفع ببعض الأوساط العسكرية لاقتراح جملة من الخيارات للتعامل مع ما تعتبره المأزق الاستراتيجي الحاصل مع إيران، ومنها إنزال الأضرار بالبنية التحتية الإيرانية، المياه منها والكهرباء والاتصالات، سواء بالقصف المباشر السابق لأوانه، أو الهجمات السيبرانية الأكثر ترجيحا، مما سيعني إلحاق أضرار جسيمة بهذه المنشآت الرئيسية.
لا تستبعد المحافل الإسرائيلية الوصول إلى مرحلة الشروع، فضلا عن التفكير العملي، في تقويض أساسات السلطة في إيران، وامتلاك الوسائل الردعية التي يمكن أن تصنع مستقبلا لإيران جديدة، أو تعمل على زعزعة النظام القائم حاليا، على صعوبة ذلك.
لا تخفي دولة الاحتلال قلقها من النتائج المتوقعة لإنجاز الاتفاق النووي، فبجانب تبعاته العسكرية، يبدي الإسرائيليون خيبة أملهم من تضمن الاتفاق لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وما يعنيه ذلك من استئناف إيران لزيادة مساعداتها المالية للمنظمات المسلحة، الحليفة معها.
في هذه العجالة قد نقرأ بتمعن الزيارات المكوكية الإسرائيلية إلى دول المنطقة، وما قام بها جملة من كبار رجالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بصورة سرية، هدفها إعادة فحص التقديرات الاستخبارية التي تستشرف السلوك الإيراني للمرحلة القادمة.
صحيح أن المنطقة تعيش حالة مخاض عسيرة، وأن العالم بأسره يبدو وكأنه يستعد لاستعادة أجواء الحرب الباردة، لكن ذلك قد لا يثني الاحتلال عن المضي قدما نحو الحيلولة دون حيازة إيران قدرات نووية، أو حتى صاروخية أو طائرات مسيرة دون استهداف مركز، رغم ما يشمله ذلك من مخاطرة إسرائيلية لا تخطئها العين.
في سبيل ذلك، تسابق إسرائيل الزمن بالدعوة لتشكيل تحالف "ناتو" يشملها مع عدد من دول المنطقة لمتابعة ما يزعم أنه خطر إيراني مشترك، وتشكيل طواقم عسكرية وأمنية وعملياتية لوضع تصورات عن مدى وحجم هذا الخطر، واتخاذ إجراءات وقائية لضمان عدم تعرض مصالح للخطر، رغم أن إيران لا تقف مكتوفة الأيدي، وقد تفاجئ الاحتلال وحلفاءه بما هو خارج حساباتهم العسكرية والاستخبارية!