منذ اللحظة الأولى لبدء روسيا حربها على أوكرانيا، تجند الغرب وتوحدوا على موقف واحد هو أن روسيا "عدو" ويجب التعامل معها وفق هذا الأساس، وإنهاء حالة التشتّت وتوزيع الأدوار والوقوف داخل معسكر واحد ضدّ الغزو "السوفييتي"، وتدفيعه الكلفة في الاقتصاد والطاقة والأمن لمنعه من تحقيق مبتغاه.
هذا المشهد الوحدوي تفتقده القضية الفلسطينية، أقدم القضايا وأعدلها على وجه الأرض، الحق فيها واضح أبلج، والمقاومة حق كفلته كل الأعراف والتشريعات والقوانيين الدولية، لكن العرب مختلفون مفرّقون مشتتون بالمواقف كما الأفعال، حتى الفلسطينيون أنفسهم منقسمون، جزء متنفذ بيده مقاليد الحكم والسلطة، معترف به دوليًا يسلك مسار المفاوضات ويتمسك بها رغم أنها لم تؤدِّ إلى نتائج ملموسة سوى الضياع والوهم طوال 30 عاما، وفريق يسلك مسار المقاومة ضد الاحتلال وهو ذات الطريق الذي تسلكه أوكرانيا اليوم ويلتف حولها العالم ويدعمها الغرب، لكنها ازدواجية المعايير، تقبل المقاومة وتشرعها لنفسها وتنزع هذا الحق عن فلسطين وتحاربه وتصنفه بالإرهاب.
اليوم وأمام هذا الواقع نحن في أمس الحاجة لتوحيد الموقف والرؤى المشتركة لدعم فلسطين كما يدعم الغرب أوكرانيا.
كان اللافت في المشهد خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بداية الأزمة وحديثه عن أهمية فرض العقوبات ضد روسيا، وأن أوكرانيا تقاتل دفاعا عن الغرب وقيمه، لذا يجب على الغرب أن لا يمن عليها بتقديم الدعم في هذا الصدد؛ وكذلك الناتو.
استفاق الغرب مؤخرًا بصعوبة بعد نوم عميق على ما فعلته روسيا في جورجيا عام 2008، وضمّها لجزيرة القرم عام 2014، ومباركتها التدخل الروسي في سوريا عام 2015، وصمتها على ارتكابه أفظع المذابح بحق السوريي
مشهد وحدة الغرب في دعم أوكرانيا يضعنا أمام تساؤل متى توحدنا قضية فلسطين؟
لا بد للدول العربية أن تتوحد لدعم قضية فلسطين ومقاومتها لدحر الاحتلال، الذي احتل الأرض وهجر أصحابها من أراضيهم وممتلكاتهم، وقتل الطفل والمرأة والشيخ ودنس المقدسات، وفرض سيطرة شبه كاملة على مدينة القدس وأجزاء كبيرة من أرض فلسطين
توحد الغرب في مواجهة الاحتلال الجديد لأوكرانيا، وأصبح الغرب جبهة واحدة في مواجهة روسيا وفرض سلسلة عقوبات وصفت بأنها الأقصى، إذ فرضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وتايوان وبريطانيا وكندا عقوبات اقتصادية صارمة، كما عملت على زيادة الدعم العسكري والمادي، إضافة إلى إرسال هولندا قاذفات صواريخ للدفاع الجوي، فيما أرسلت إستونيا صواريخ مضادة للدبابات من طراز "جافلين"، وقدمت بولندا ولاتفيا صواريخ أرض جو من طراز ستينغر وأرسلت جمهورية التشيك رشاشات، وبنادق قنص، ومسدسات وذخائر وحتى البلدان المحايدة سابقا مثل السويد وفنلندا وألمانيا، أرسلت شحنات من صواريخ ستينغرز، بالإضافة إلى صواريخ أخرى تطلق من الكتف، كما قدمت واشنطن 350 مليون دولار مساعدات عسكرية، ذلك تزامن مع نقل حلف شمال الأطلسي معدات عسكرية إلى الدول الأعضاء المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا، لطمأنتهم، إذا هو تسابق في الدعم العسكري لأوكرانيا لمن يقدم أكثر، هذا الدعم ليس وليد اللحظة، فمنذ العام 2021 تقوم أميركا ودول حلف الناتو بتقديم مساعدات عسكرية ولوجستية لأوكرانيا، كل ذلك في محاولة لردع موسكو عن حملتها العسكرية ضد أوكرانيا.
هذا الشكل ووحدة الموقف والشعور بالمسؤولة وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري تفتقده فلسطين من الدول العربية والإسلامية، وهي في أمس الحاجة إليه لمواجهة الاحتلال الصهيوني، إذ تقف الدول العربية وتأخذ دورا سلبيا، لا بد لهذا الموقف أن يتغير ويتحول ليصبح مماثلا لموقف الغرب في دعم أوكرانيا ، كما على الدول العربية أن تعي ما الذي تشكله (إسرائيل) من مخاطر، ففلسطين بحاجة إلى كل أشكال الدعم، فكل دعم يعجل في زوال الاحتلال ويسرع في تحرير فلسطين، فوحدة الدول العربية والإسلامية ودعمها الفلسطينيين أساس في تحرير أرض فلسطين وإيقاف خطر إسرائيل الذي تغلغلت عبر قنوات التطبيع، وما تصريحات ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي قال "لا ننظر إلى (إسرائيل) كعدو بل كحليف"، كيف تكون (إسرائيل) التي وصفها تقرير منظمة العفو الدولية، بأنها قائمة على نظام الأبارتهايد -الفصل العنصري- الإسرائيلي الإقصاء، والقمع، والاستعمار والفصل العنصري، وغيرها من الانتهاكات.
إسرائيل لا يمكنها بحال من الأحوال أن تكون حليف أو صديق للعرب، بل هي عدو لا يعرف إلا لغة القتل والبطش.
الفرصة في دعم فلسطين ومقاومتها بكل السبل والأدوات غاية الأهمية، فالمقاومة في فلسطين المحاصرة والمحاربة، والتي لم تتلقَّ أي دعم من الدعم العربية استطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة في مقاومتها الاحتلال كان آخرها سيف القدس في مايو ٢٠٢١ فما ظنكم إن تلقت دعمًا كاملًا وتبنيًا من الدول العربية والإسلامية كما تتلقى أوكرانيا اليوم، فلسطين والقدس هي الوجهة للأمة وتعديل المسار يكون عبرها وللدول العربية من المقدرات ما يجعل تقود العالم وتهيمن عليه، لا فقط أن تسهم في دحر الاحتلال عن فلسطين، فالمطلوب اليوم وحدة عربية وإنهاء حالة التشرذم والتوافق على دعم فلسطين ومقاومتها بكل الطرق والأدوات على غرار دعم الغرب لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي.