لا يخفى على أحدٍ واقعُ القدس والأقصى الذي يغلي وسلوك الاحتلال الذي يحاول من خلاله الاستعراض وتعزيز الحضور والهيمنة في القدس والأقصى، بعد حالة الانكسار الذي تعرض لها إبان معركة سيف القدس مايو2021، ولا سيما أنه يحاول بكل إمكانياته أن يقول بأن زمام الأمور ما زالت في يديه وأنه الآمر الناهي، فكما تم إغلاق باب الاقتحامات في العشر الأواخر من رمضان 2022، ها أنا اليوم من يقرر استئنافه في ذكرى قيام الكيان الصهيوني، لكن هذا الواقع سبقه تهديد ووعيد من قبل المقاومة في قطاع غزة والإشارة إلى محور القدس، في تطور جديد وثقة عالية، قد تفجر المنطقة بأسرها وتحدث زلزالاً حقيقيا، يكون وبالا وانكسارا جديداً لدولة الاحتلال.
عين المقاومة في قطاع غزة على الأقصى والصورة المؤلمة التي خرجت للإعلام لعدد من المرابطين في المسجد القبلي وهم مكبلون ملقون على الأرض، تلك الصورة المذلة ما زالت عالقة في ذهن مقاومة قطاع غزة، إذ جعل منها يحيى السنور قائد حركة حماس في غزة، خلفية للخطاب الذي ألقاه أمام العديد من نخب الشعب الفلسطيني في مدينة غزة، هذا الخطاب الذي نُظر إليه بأهمية بالغة، واحتلت الأحداث الأخيرة في مدينة القدس والمسجد الأقصى الحيز الأكبر منه، حيث أكد خلاله أن المساس بهما يعني حربا إقليمية دينية، وأن المقاومة على أتمّ الجهوزية والاستعداد للدفاع عنهما، وأن صورة المرابطين وهم مكبلون وملقون الأرض يمنع على دولة الاحتلال تكرارها.
كما رفع السنوار سقف تحدي الاحتلال، وتطرق إلى الحصار الصهيوني على قطاع غزة، معلنا أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد تشغيل الخط البحري للقطاع بالتنسيق مع محور القدس؛ لكسر الحصار كاملا.
المقاومة في غزة ووعيدها وإعلانها بأنها لن تترك الأقصى لاستباحة الاحتلال ومستوطنيه مهما كلف الثمن، تزامن مع توتر على الجبهة الشمالية، فثمة حسابات أخرى ومصلحة لحزب الله في فتح جبهة مع الكيان الصهيوني، وذلك لعدة اعتبارات منها قدسية مدينة القدس والأقصى واعتداءات الاحتلال فيها لما لهذه القضية من التفاف جماهيري في وجدان الأمة العربية والإسلامية، إضافة إلى قضية غاز البحر المتوسط والتنقيب عنه بالمياه اللبنانية، والتوتر مع الاحتلال في هذه القضية، الأمر الذي من شأنه أن يتم التوصل إلى تفاهمات مع الكيان الصهيوني، يمكن لبنان من التنقيب بحرية عن الغاز في المياه الإقليمية.
إذن وعيد المقاومة في قطاع غزة وتحذير الصهاينة من المساس بالأقصى في ذكرى قيام الكيان الصهيوني والتلويح بمحور القدس، وسماح الاحتلال باستئناف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، إضافة إلى رغبة حزب الله بالتصعيد مع الكيان، وكذلك جبهة إيران وإعلان رئيس الجمهورية آية الله السيد إبراهيم رئيسي مؤخراً إلى أنّ القوات المسلحة في جيش الجمهورية الإيرانية ترصد أي تحرك للكيان الصهيوني، كل تلك الأمور عوامل قد تفجر المنطقة، وتجعل من تل أبيب تحت مرمى صواريخ المقاومة، ولا سيما والحديث عن الرقم الصعب 1111 الذي كشف تفسيره قائد حماس السنوار بأنه يمثل عدد الصواريخ التي سوف تطلقها المقاومة على الكيان الصهيوني في ضربتها الأولى إذا ما أقدم الاحتلال على ارتكاب أي حماقات ضد القدس والأقصى.
لكن حتى وإن سمح الاحتلال باستئناف الاقتحامات للأقصى فإن ذلك سوف يكون في إطار محدود، ومسيرات المستوطنين سوف يعدل قادة الاحتلال مسارها كما حدث إبان معركة سيف القدس، ولن يسمح الاحتلال بانزلاق الأمور نحو مواجهة شاملة يكون عنوان المقاومة فيها مدينة القدس والأقصى، كما حدث في العام الماضي إبان سيف القدس، لكن حتى وإن امتص الاحتلال غضبه في هذه المرة، وفوت الفرصة لعدم رغبته في التصعيد كيلا يقع في خطأ سيف القدس مرة ثانية، وضعف وهشاشة حكومة بينيت، مع ذلك لن يبقى الاحتلال مكتوف الأيدي، فسوف ينفذ التهويد في الأقصى بخطوات جديدة وأسلوب تكتيكي بطيء، لذلك على الفلسطينيين وكل الجبهات أن يكونوا يقظين مستعدين موحدين لكل السيناريوهات للدفاع عن القدس والمقدسات، وتشكيل حالة اشتباك مستمرة مع الاحتلال في كل نقاط التماس معه.