فلسطين أون لاين

​"سلِّم أبناءك أو مُتْ في غزة"!

"وليد قاعود".. شهيد الحصار والمساومة

...
غزة - مريم الشوبكي

ماذا تعني لك الحياة إذا وضعها عدوّك في "كفة" وجعل تسليم أبنائك له في "الكفة" المقابلة؟ هذا الخيار وُضع فيه الشهيد "وليد قاعود"، والذي أخبره به ضابط المخابرات الإسرائيلي حينما قدم طلبا للحصول على العلاج في مستشفيات الداخل المحتل بعد تفشي مرض السرطان في جسده.

"قاعود" شهيد الحصار، نشأ في مدينة خانيونس وتوفي في الثاني من مايو الماضي، بعد أن تقطعت به السبل، ورفض الاحتلال تحويلته الطبية، حتى انتشر السرطان في جسده، وعلى إثر ذلك أُصيب بالشلل التام وتلف الأعصاب، ولم يعد من الممكن علاجه في مستشفيات قطاع غزة.

أبناؤك الأربعة!

محمد قاعود، نجل الشهيد، تحدّث لـ"فلسطين" عن معاناة والده منذ أن اكتشف مرضه، قال: "في عام 2008، اكتشف الأطباء مرض أبي بسرطان القولون، وفي نفس العام تم إجراء عملية جراحية له لاستئصال الورم في مستشفى غزة الأوروبي، وتحسنت حالته، وفي 2014 ساءت حالته، وحينها أظهرت الفحوصات أن المرض انتقل إلى الرئة".

وأضاف: "بسبب انعدام الإمكانات لعلاج مرضى السرطان في غزة، طلب الأطباء إجراء صورة مسح ذري لتحديد المناطق التي انتشر فيها المرض، وهذه الصورة غير متوفرة هنا، وبالتالي كان أبي بحاجة لإجرائها في الداخل المحتل، ومنذ ذلك اليوم قدم أبي طلبًا للحصول على تحويلة للعلاج هناك".

وتابع: "رفض الاحتلال تحويلة أبي بحجة (الفحص الأمني)، ولكنه جدد الطلب وحصل على الموافقة، وأجرى الصورة، ومنها تبيّن أن المرض وصل إلى إبطه الأيسر، وارتأى الأطباء خضوعه لجلسات إشعاع ذري".

وبسبب عدم وجود هذا النوع من العلاج في القطاع، قدم قاعود طلبا جديدا للعلاج في الداخل المحتل، ولكنه رُفض عدة مرات، وطلبته المخابرات الإسرائيلية للتحقيق، والتي استمرت لساعات طويلة، وكانت خلاصتها: "إذا أردت أن تُعالج، يجب أن تسلم أبناءك الأربعة لنا، وإلا عد إلى غزة، ومت هناك".

تحقيقٌ آخر

لم يفكر الرجل في الأمر، بل أبلغ المحققين على الفور أنه سيعود إلى غزة ليموت بشرف، فكيف سيسلم رقاب أبنائه الأربعة لكي ينجو هو بنفسه!، هكذا اختار أن تكون نهايته بدلا من أن يموت خائنا، فهو كان في مساومة لا يصدقها عقل ولا منطق.

ومع ذلك، لم يكل أبناء قاعود، ولم يستسلموا للرفض المتكرر لوالدهم، فاستمروا بتقديم طلبات الحصول على تحويلة منذ 2014 حتى 2016، وبلغت محاولاتهم نحو 11 طلبا، رفضها الاحتلال كلّها بحجة الفحص الأمني، وفي هذه الفترة، كان كل يوم يمر على "وليد" يعني تفشي المرض في جسده أكثر.

وقال ابنه محمد: "وتدهورت حالة والدي كثيرا بسبب حاجته الملحة لتلقي العلاج، فوصل إلى رئته، ومن ثم إلى إبطه، ثم ظهر الورم في دماغه، فأتلف الأعصاب عنده، وأفقده القدرة على المشي والنطق، ولم تشفع خطورة حالته عند الاحتلال لكي يسمح له بالسفر".

وأضاف: "لم نيأس يوما من الإلحاح في طلب العلاج لوالدي، رغم أننا نعرف خطورة سفره وما تعرض له من ضغوطات وابتزاز، وبالفعل قُبل طلبه بعد سنتين، ولكن بشرط أن يخضع لتحقيق مرة أخرى مع ضباط المخابرات الاسرائيلية، وحينما أخبرناهم أن حالته الصحية متدهورة ولن يحتمل التحقيق، جاءنا الرد: (إما أن يأتي للمقابلة، وإلا لن يكون له علاج)".

وأشار محمد إلى أن خطورة حالة والده الصحية دفعته وإخوته إلى التوجه إلى مؤسسات حقوق الإنسان لعلها تساعده في الحصول على حقه في العلاج، ولكن تدخلات المؤسسات لم تجدِ نفعا لأن رفض الاحتلال كان قاطعا.

ووصف والده بأنه "ضحية للحصار والابتزاز الاسرائيلي"، لأن علاجه كان ممكنا لو أنه سافر في بداية مرضه.

تُدين ولا تفعل

كان أبناء الشهيد يشعرون بالعذاب وهم يرون والدهم يكابد بينما هم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء للتخفيف عنه.

وتساءل محمد: "أين دور مؤسسات حقوق الإنسان في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين؟، المرضى يموتون في غزة ولا أحد يتحرك، أم هي مجرد مؤسسات تدين وتستنكر ولا تفعل؟".

"وليد قاعود" واحدٌ من آلاف المرضى الذين يموتون وهم ينتظرون ورقة التحويلة الطبية، التي تتحكم بها سلطة رام الله تارة، والاحتلال الإسرائيلي تارة أخرى، ويتم استخدامها كورقة ابتزاز ومساومة على وطنية المريض.

ويُشار إلى أنه في عام 2016، منعت سلطات الاحتلال 10003 مرضى ممن يُفترض تلقيهم العلاج في الداخل المحتل أو الضفة الغربية من السفر حسب وزارة الصحة. بينما ينتظر العديد من المرضى ردودًا بعد إجرائهم مقابلات أمنية، إلى جانب 2000 مريض تم منعهم من مغادرة قطاع غزة لـ"أسباب أمنية".