فلسطين أون لاين

​عاش النكبة مرتين

سمير الخليلي.. يوقف الزمن بريشة "رماديّة"

...
غزة - هدى الدلو

تعددت مواضيع لوحاته الرمادية، وتكاد الوجود المسحوقة والملامح الممحوة أن تكون طابعًا لرسوماته، لتمثل صرخته واحتجاجه ضد ما يحدث للسوريين من قتل وتنكيل، خاصة بعدما أصبحوا أرقامًا تذكر بالأخبار العاجلة عبر الوسائل الإعلامية، ليعمل بلوحاته ورسوماته الكاريكاتورية على وقف الزمن عند كل صرخة ووجع وألم وثورة تمس السوريين، كما جسد والفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم المتعددة بين فلسطين ومخيمات اللجوء...

سمير الخليلي (27 عامًا), رسام كاريكاتير فلسطيني سوري، يقيم منذ عام 2014 في هولندا، يعتبر فنّه أداة تُحرك الناس، وتكشف عورات الجميع، لأنه يعبر عن الحزن والفرح بطريقة تدخل القلوب بسرعة.

رسم وغرافيك

بدأت بوادر موهبته تظهر وهو في المرحلة الثانوية، حيث كان يرسم المدرسين بطريقة مضحكة وتنال إعجاب أصدقائه، وفي الوقت ذاته كان قد ظهر ميله لتصميم الغرافيك.

قال الخليلي في حوار مع "فلسطين": "بدأت بتصميم الغرافيك، وهذا ساعدني جدًا على اكتشاف حبي للرسم، ففي مجال التصميم أنت بحاجة دائمًا لإيجاد أفكار جديدة، وبحاجة لملء المساحة البيضاء أمامك بألوان وتكوينات فنية".

وهذا فتح له مجال الرسم باعتباره مشابها جدًا له، إلا أن الرسم ظل يشده لكونه يستطيع، من خلاله، أن يكون حرًا تمامًا كـ"الطائر المحلق" على حد وصفه، وأن يكوّن عناصر لوحته من الصفر، على عكس التصميم، حيث إن المصمم بحاجة لاستخدام صور لفنانين آخرين غالبًا، وهذا ما كان يقيده.

وأوضح الخليلي أن عائلته كانت تبدي فخرها بما ترسمه أنامله، فكان ذلك يعطيه دفعات قوية للاستمرار، إلى جانب أن أهله منحوه الاستقلالية في اختياراته، مما كان له الأثر الإيجابي على حياته.

التوقف عن الهواية

المشهد الإنساني المرعب الذي تمر به سوريا هو أكثر ما يركز عليه الرسم، وبيّن: "غالبًا لا أختار فكرتي قبل أن أرسم، بل على العكس, أنا أبدأ بالرسم ثم أجد الفكرة، ولست الوحيد الذي يفعل هذا".

البدء بالرسم ثم تحديد الفكرة ناتج عن كون ضيفنا يؤمن بأن إيجاد الفكرة ورسمها عمليتان تتفاعلان سويًا للوصول إلى اللوحة، فهو يرسم طفلًا يركض ثم طائرة مثلاً، وغالبًا يباغته رابط بينهما، ليعطي الفكرة بين الطفل والطائرة دون أي تخطيط مسبق، ثم يطور الفكرة قليلاً، ومن هنا تتكون اللوحة.

واضطر الشاب الخليلي إلى الابتعاد عن ممارسة هوايته عندما ترك سوريا، فتوقف لفترة كبيرة، لسببين كما أشار، الأول أنه في ذلك الوقت لم يكن يمتلك معدات الرسم، والثاني أنه لم يكن مستقرًا في منزل أو مدينة معينة، موضحا: "وأنا أؤمن أن الإنسان لا يستطيع أن يمارس فنه إن لم يكن يملك المكونات الأساسية للحياة من استقرار وأمان وطعام".

ويعتقد الخليلي أن لوحات رسامي الكاريكاتير الآخرين هي أكثر ما يجذبه للرسم، ويستمتع بمشاهدة هذا الفن ويرغب في تكوينه من جديد.

قد يبدو الأمر غريبًا لدى البعض، "لكنني أرسم بأفضل حالاتي وأنا أستمع لنشرات الأخبار، أستطيع أن أكون ساخطًا بما فيه الكفاية على الواقع الإنساني المزري الذي وصلنا إليه، ولأنقل هذا السخط إلى اللوحة التي أرسمها"، وفق حديثه.

هجرة جديدة

عاش الخليلي وأجداده الوجع مرتين، النكبة الفلسطينية، ومن ثم النكبة السورية، وبالتأكيد تأثر بكلتيهما، وأصبحتا جزءًا من تكوينه وشخصيته، وعن ذلك قال: "كنا في المخيم نعيش كفلسطينيين سيعودون إلى وطنهم يومًا ما، كنت ككل أبناء المخيم أستمع لأحاديث كبار السن في المخيم عن ذكرياتهم في فلسطين، وأقرأ دائمًا عن النكبة، وكنا نشاهد أخبار وطننا بكل شجن وغضب، لكن لم يخطر في بالي يومًا أن ما حصل في فلسطين سيتكرر في سوريا، وأنني سأكرر هجرة أجدادي مرةً أخرى إلى أماكن أبعد وأبعد، هذا بالتأكيد ترك بصمة كبيرة فيّ وفي رسوماتي، سواء بإرادتي أو بطريقة لا شعورية".

انتقل الخليلي كأغلب اللاجئين من سوريا، كانت رحلة صعبة وشاقة، بدأت بالخروج من داخل الحدود السورية إلى تركيا، ومن هناك إلى اليونان، ثم إلى هولندا.

وأوضح الخليلي: "نمطي الفني اختلف تمامًا في هولندا، ففي سوريا كنت غاضبًا منفعلاً، وكنت جزءًا مما يحصل هناك، فكان ذلك يعطيني الجرأة لأن أرسم ما أريد، أما هولندا فالأمر مختلف لأني خارج الحدث، وهذا يعطيني رقابة ذاتية بألا أرسم ما قد يؤذي الناس هناك وأن أكون أقل "حماسة".

شارك ضيفنا في العديد من المعارض في سوريا, ومصر, وتركيا, وفرنسا, وأمريكا, وإيطاليا وهولندا، وما يحزنه أنه لم يشارك في أي معرض في فلسطين حتى الآن.

ومن أصعب العقبات التي واجهته خطورة الرسم في سوريا، وفق قوله، مبينا أن كل ما يحاول فعله هو أن يرسم ما يشعر به، وأن ينقل ما استطاع من وجع الناس وآلامهم.