توشحوا الكوفية، وارتدوا قمصانًا رماديةً، ساروا في نسقٍ لمسافة اثني كيلو مترٍ إلى أقصى الجنوب من محافظة رفح بالقرب من السياج الحدودي مع مصر؛ استمتعوا بأجواءِ طبيعة، ونظموا مسارًا ثقافيًا لم يعبر بهم فوق حشائش خضراء أنبتتها أمطار الشتاء فقط، بل قادهم لتاريخ وتراث فلسطين حينما حطت ترحالهم عند "تل رفح الأثري"، ضمن مبادرة شبابية تحمل اسم "مسار رفح الثقافي".
التل الموجود من سنة 63 ق. م يؤكد على تجذر الشعب الفلسطيني في أرضه منذ عصور قديمة وأن كل محاولة الاحتلال بالتضليل وقلب الحقائق تذوب أمام الحقيقة، يمتد على مساحة 150 دونمًا، ويرتفع ثلاثة وثلاثين مترًا كان الارتفاعُ كافيًا ليرى المشاركون جزءًا واسعًا من مساحةِ رفح.
أعلى التل الأثري شاهدت العشرينية علا غنام (29 سنة) والمشاركون أيضًا رفح كما لم ترهَ من قبل، لم يخلُ المشهد من بيت "الشعر" الذي يعبر عن الأصالة البدوية، مثبتا بالحبال والأوتاد فصدحوا بالأهازيج التراثية.
تعيد علا رسم خط المسار لـ "فلسطين أون لاين": "بدأ من حارة "البريكات" في رفح، مرورًا بالمقبرة القديمة، ثم تعرفنا على بعض المزروعات المتوارثة بالمكان وأنواع النباتات المزروعة، ونزولاً إلى موقع التل الأثري فتعرفنا على الارتباط الوثيق بين مصر وفلسطين ورفح على وجه الخصوص وعلى المناطق الحدودية المصرية الفلسطينية من الجنوب وانتهاءً بجلسة فلسطينية شعبية تخللها العديد من الفعاليات الوطنية والتراثية".
تكوّن التل حتى وصل إلى شكله الحاليّ خلال حِقب زمنية وعهود مختلفة؛ بداية بالعهد اليوناني، حيث أن الطبقة الأساسية تتبع للعهد اليوناني بشكلٍ رسمي وقد أثبتت قطع الآثار ذلك.
تلى العهد اليوناني العهد الروماني ثم العهد البيزنطي ثم العهد الإسلامي، وأظهرت الحجارة والآثار المتبقية تقسيمات لغرف وحمامات قديمة كانت تُستخدم في تلك العهود، وتعرف المشاركون على الفترة التي سيطر فيها الاحتلال على موقع التل بهدف إحكام القبضة على رفح.
شاهدت الشابة مقبرة من أقدم المقابر في رفح موجودة من ١٢٠ عام، تطبق قبورها على شخصيات كانت تأتي من بلدات مختلفة كحمامة، ويافا، وحيفا ومناطق الداخل المحتل عام 1948م للترحال ثم لقت حتفها هنا في أحداث مختلفة.
المقبرة التي تأوي رفاة بعض المصريين، شاهدة على أخوة جوار تجمع الشعبين الفلسطيني والمصري، وتؤكد أن الترابط الجغرافي حلقة لا يمكن فصلها عن الارتباط التاريخي والاجتماعي بين الشعبين.
"كانت رحلة رائعة جدًا، تعرفت فيها عن بقعة جغرافية مهمة في رفح، وتمكنت من رؤية السياج الفاصل بين فلسطين ومصر بشكل واضح" وتأمل كذلك التعرف على مناطق جديدة في قطاع غزة، للسعي في نشر ثقافة السياحة المجتمعية والداخلية في غزة، والتثقف والتعلم عن هوية المدينة التي يعيش فيها وعن آثارها وتاريخها.
عاد عبد الله زياد لافي إلى منزله حاملا "طاقة وطنية" كبيرة، ويقول: "حصلت على جرعة وطنية شحنت طاقة حبنا لفلسطين ولكل معالمها التي افتقدناها، أعجبني تعدد بعض الفقرات والأنشطة، وزيارة الأماكن التراثية التي قرأت عنها لكن زيارتها كانت مختلفة".
تكمن أهمية المسار، كما يقول، بنشر الوعي الثقافي والوطني في المجتمع وتوطيد العلاقة بين القضية والتراث الوطني الفلسطيني الأصيل الذي تنبع منه الهوية الفلسطينية.
أما بالنسبة لأنس الدؤي، فإن المسار يعزز من انتماء المواطنين لأرضهم، حينما يتعرفون على الطبيعة الفلسطينية والتراث، مما يساهم في عدم طمس هذه المعالم، قائلا: "نحن كشباب نعد أساس المجتمع وعندما ننقل تجربتنا فإننا نساهم بتعزيز السياحة الداخلية لدى أفراد المجتمع".
في جعبة الشابة رزان أبو شمالة كلام كثير عن مشاركتها، أكثر ما جذبها "طبيعة تل رفح الأثري التي كانت جاذبة وساحرة للعين، وتجربة ممتعة ومفيدة تحتوي على أنشطة متنوعة.