من قاع البئر، استمع العالم كله لصرخة الطفل المغربي ريان، ولولا صرخة الحياة هذه، لما التفت العالم لجثة طفل مدفونة على عمق عشرات الأمتار، الانتباه لحادث الطفل المغربي ريان اقترن بالصرخة والأنين طلباً للحياة، فعدم استسلام الطفل لجبروت الموت، حفز الناس للتعاطف معه، ومناصرته، والاهتمام به، والدعاء له بالسلامة، والناس تعشق المقاوم، الذي يرفض الهزيمة، ولا يقنط من رحمة الله، وطالما ظل الطفل يصارع من أجل البقاء، ويرسل رسائله إلى العالم أنه على قيد الحياة، وبحاجة إلى المساعدة، فقد ظلت الناس في لهفة للمساعدة، ولمعرفة النهاية لهذا الصراع المحتدم بين الموت والحياة في غياهب الجب.
بين القضية الفلسطينية وصرخة الطفل ريان وشائج كثيرة، فالناس بفطرتها تلتفت لمصدر الصرخة، أكانت صرخة استغاثة أو صرخة تحدٍ؟ وتلتفت الناس إلى صرخة الحياة، وتتعاطف معها، وتحبس الأنفاس أملاً في إنقاذ صاحبها، وهنا لا مناص من التذكير أن صرخة الحياة بالنسبة للشعب الفلسطيني هي المقاومة، ومواجهة العدو الذي يغتصب مقومات الحياة، المقاومة هي صرخة الحياة التي تحرج الأمم المتحدة، التي تآمرت على الشعب الفلسطيني، وتركته في غياهب الجب عشرات السنين، يقاوم الفناء، وهو بحاجة إلى كل أشكال التعاطف المعنوي والدعم المادي، وهذا هو درس الوجود الذي يجب أن يتعلمه الشعب، وهو يصغي لصرخة الحياة التي ما انفك يرسلها الطفل ريان، وما برحت تشد ملايين البشر، وهم يتابعون الصرخة، ويرتجفون لحال صاحبها، ويتمنون له السلامة.
الصرخة المدوية لها أصداء، يثير ترددها الخوف في قلب السامع، وتبعث الشفقة في النفس البشرية، لذلك تواصل التفاعل الواسع مع صرخة الطفل ريان، وتصاعد في كل الأصقاع، حتى إذا استكان الطفل، وهمدت قدرته على الصراع، وفارق الحياة، فارقت الناس اللهفة للمتابعة، فقد انتهى الرجاء، وساد الصمت، وخيم شبح الموت، وأسدل الستار على مشهد حزين وقاتم.
وما دام الإنسان يفتش عن حياته، ويقاتل من أجلها، ولا يستسلم، ولا ينهزم، فإن هذا يوافق هوى النفس البشرية التي جبلت على صراع البقاء، فالحياة نقيض الموت، والناس تتعاطف مع طلاب الحياة، وتقدم لهم كل دعم وإسناد، في حين لا يحتاج الأموات إلا للدعاء، ودفن جثثهم تحت التراب، وهذا هو الدرس الذي تعلمه الشعب الفلسطيني من تجاربه، وجسده واقعاً الطفل المغربي ريان، فالصراع من أجل البقاء مقاومة، والمقاومة صراع يؤكد التشبث بالحياة، ورفض الموت السريري، الذي يستدر شفقة البعض، دون تجسيد أي فعل ميداني.
على الشعب الفلسطيني أن يظل في ميدان المعركة، يصارع من أجل بقائه، ولا صراع للبقاء دون المقاومة، وصرختها التي تدوي، فيسمعها القاصي والداني، ويراها بقلبه كل عاشق للحياة، إنها المقاومة، صرخة الحياة التي تشد انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية، وتحركهم لمناصرتها وتقديم يد العون، فإذا استكان الشعب، وتوقف عن المقاومة، انحبست أنفاسه، وغاب عن خارطة الوجود، لتظل بقاياه تمارس بعض الوظائف البيولوجية، وتنسق أمنياً مع أعدائه، مقابل الفتات، والتبعثر في المنافي والشتات.