ها هي ذا تعبر الثامنة والأربعين، تجول في خاطرها أفكار شتى حول ما يسمونه سن الأمان أو اليأس أو انقطاع الطمث، وتسأل نفسها: "ها أنا ذا قد شارفت على الخمسين من عمري، فهل ما أجده من أعراض أصبحت تلازمني وتزعجني جداً بل تقض مضجعي، له علاقة بانقطاع الطمث؟ انقطع الطمث عند أمي عندما كانت في التاسعة والأربعين من عمرها، فهل سأكون مثلها يا تُرى؟. لماذا هاجمت التجاعيد وجهي ويديّ بشراسة هكذا وكأنني كبرت فجأة وأصبحت أصنف في صف العجائز؟ ما بال وزني قد ازداد عن السابق بشكل ملحوظ، فأصبحت أشعر بنفسي ثقيلة جداً لا تستطيع قدماي حملي، رغم أن عاداتي الغذائية لم يتغير فيها شيء؟ يا إلهي لطفك بي! كم أنا خائفة من الأيام القادمة التي لا تبدو أنها لا تحمل بشريات الخير لصحتي!".
بدأت تغيرات في انتظام الدورة الشهرية تحدث لديها منذ سنتين تقريبًا، في البداية أصبح الوقت بين الحيض والآخر يقل عن السابق ويحدث كل 25 يوما بعد أن كان يزيد على الــ 30 يوماً، وأصبحت تعاني من احتقان وآلام في ثدييها مع اقتراب الحيض، عزت الطبيبة ذلك إلى التغيرات الهرمونية التي تواجهها، ثم أخذت فترة غياب الحيض تطول فتصل إلى شهرين أو أكثر. والآن غاب الحيض عنها منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر.
ليس غياب الحيض هو ما يشغل بالها، ولكن الأعراض الأخرى التي أصبحت تقلقها، وتتعبها وتتركها فريسة للخوف ينهش قلبها، فها هي موجات حارَّة تظهر لديها مرات عدة في اليوم والليلة، تبدأ موجة الحرارة التي تستمر عدة دقائق، من أعلى الصدر والوجه، ثم تنتشر إلى جميع أنحاء جسدها، يرافقها تعرق، وخفقان في القلب، وأحيانا تسيطر القشعريرة على جسدها.. يرافقها شعور بالضيق والقلق واضطراب النوم ليلاً، فتمضي نهارها مرهقة قلقة معكرة المزاج.
من الأمور التي باتت تقلقها أيضاً وتترك لديها كثيرا من الاستفسارات هي علاقتها الحميمية مع زوجها، فقد أخذت تلاحظ انخفاضا كبيرا في الرغبة الجنسية لديها، وحدوث آلام عند الجماع بسبب جفاف المهبل، أضف إلى ذلك انسياب قطرات من البول تلوث ملابسها عند السعال أو الضحك أو حتى حمل شيء ثقيل..
ليست تلك الأعراض فقط هي التي أخذت تؤثر في نفسيتها سلباً، بل آلام العظام والمفاصل التي أصبحت ملازمة لها، فما بين آلام الركبتين، إلى آلام أسفل العمود الفقري، إلى آلام الرقبة، والكتفين... الخ، أخذت تشعر نفسها كمركب أصبح ضعيفا ومهلهلاً لشدة ما قاسى خلال رحلاته الطويلة والصعبة والآن أخذت رياح عاتية تتقاذفه ولا يستطيع الصمود في وجهها. وما زاد من شعورها بالضعف أكثر فأكثر هو تكرار فقدانها لتوازنها ووقوعها أرضاً دون أن يكون هناك مبرر لذلك.
أضف إلى ذلك نوبات الصداع المتكررة والتي تشعر رأسها فيها وكأنه بين فكي كماشة تضغط عليه وتكاد تفلقه.. وخلال نوبات الصداع تصبح حساسة جداً للضوء والإزعاج والأصوات العالية، وتغدو فاقدة للصبر وعصبية، ومتوترة، وكثيرة النسيان.
أما الاكتئاب، والحزن فقد صارا سمتها الأبرز، وكأنها أصبحت ترى الدنيا من منظار شديد القتامة، وكأن السعادة قد ارتحلت من الدنيا.. يذكرها هذا الاكتئاب بالحالات التي كانت تصيبها بعد الولادة والتي تصيبها وتحيل حياتها قتامةً.. والآن أصبحت كمن فقد الدافع الذي يدفعها لممارسة هواياتها المفضلة والتي تجد فيها نفسها "نسج الصوف والتطريز".
تشتكي لمن حولها، فيقولون لها: هل تريدين أخذ زمانك وزمان غيرك؟ هكذا هي الدنيا لا تدوم على حال.. ولكنها بحاجة لمن يدعمها نفسياً ويتفهم ما تمر به من تغيرات، ويأخذ بيدها لتعبر هذه المحطة بأمان.