فلسطين أون لاين

حوراني: (30) دار نشر فلسطينية وعربية رفضت نشرها لدواعٍ "سياسية"

"حراس الجبل".. حكاية "ثوار بيتا الخارقين" للأطفال

...
صورة تعبيرية
ستوكهولم- غزة/ مريم الشوبكي:

في تلك اللحظة دخل ضجيج مخيف مرافقة إياه شعلات اللهب التي بدأت تنتشر على سفح الجبل، وقف محمد وقال: "ذلك ما أتحدث عنه"، وأشار بيمينه إلى ذلك الضجيج.

ركض الثلاثة إلى أقرب نقطة على سطح المنزل، ليشاهدوا ذلك التجمع.

"في الليل يعود الجبل إلى أهله" قال محمد، ثم تابع: "إذ يهاجم أهالي القرية تلك الكرفانات؛ فيهرب المستوطنون وجنود الاحتلال".

- "هي تلك، كر وفر" قالت مها.

- قال عمار وقد بدا على صوته بعض القلق: "ومتى ستنتهي هذه القصة؟!".

- "تنتهي هذه القصة عند أوّل إشراقات الفجر" قالت مها، سكتت برهة ثم أضافت: "عند الفجر يأتي النصر".

هذا الحوار الدائر بين ثلاثة أطفال من قرية بيتا جنوب مدنية نابلس مقتبس من قصة "حراس الجبل" لكاتبها أحمد الحوراني، حيث يروي الأحداث الدائرة على جبل صبيح بلسانهم، وكيف يقوم أهالي القرية بعمليات الإرباك الليلي لمنع المستوطنين من السيطرة على الجبل.

القصة التي يرويها حوراني (38 عامًا) اللاجئ الفلسطيني في السويد مبينة على أحداث واقعية سمعها على لسان أهالي القرية، والمشاركين في عمليات الإرباك الليلي المستمرة منذ أيار (مايو) 2021، في مقاومتهم الشعبية التي بدأت بعد محاولة مجموعة من المستوطنين إقامة بؤرة استيطانية (أفيتار) على الجبل، وابتدع خلالها أهالي القرية أساليب مقاومة أجبرت المستوطنين على إخلاء البؤرة، وأفضت المواجهات إلى ارتقاء تسعة شهداء وإصابة المئات واعتقال العشرات، في محاولة من الاحتلال لوقف الفعاليات الثورية.

بطل القصة هو الفتى عمّار، هو الشخصية الرئيسة، ولد غنيًّا مرتاحًا بعيدًا عن ظروف رمي الحجارة والتظاهر ومواجهة الاحتلال، أراد والده الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية قضاء مدة الإجازة الصيفية في قريته بيتا، ينتظره ابنا عمّه: محمّد (صاحب القدرة والموهبة على مواجهة الاحتلال بذكاء وحنكة)، وشقيقته مها (الأنيقة والجريئة والقوية).

قصة مصورة

تعتمد "حراس الجبل" على الصورة في رواية القصة داخل 74 صفحة، وقسمها الكاتب الحوراني إلى تسعة عناوين متسلسلة، تبدأ مع وصول عمار من طريق جسر الملك حسين إلى بلدته، ثم استقباله، وتعرّفه إلى خريطة البلدة، و"البالون الحارق"، و"حجر ومقلاع"، و"صخرة تقاوم"، و"احتفالات على الجبل"، و"عمّار في القدس"، و"على أبواب بيتا" حيث يقرر عمّار البقاء.

"حوراني" ابن مخيم اليرموك ينحدر أصلًا من مخيم جنين، وينسج القصة بلغة فصيحة بسيطة للأطفال في سن من 9 أعوام إلى 12 عامًا، عن أبطال حقيقيين لا يزالون مرابطين في الميدان، دون أن يُغيب الخيال لإضفاء الإثارة والتشويق.

عن فكرة القصة ولماذا بيتا تحديدًا؟ يقول الحوراني لـ"فلسطين": "بحثت عن قصة واقعية أرويها لطفلي سراج، تتناول المعاناة اليومية التي يعيشها أطفال فلسطين، ولكني لم أجد، لذا استعضت عنها بقراءة قصة "كيف تصبح بطلًا خارقًا؟"، وهي سلسلة عالمية عن أطفال بقدرات خارقة".

ويتابع: "الإعلام دائمًا ما يركز على أحداث غزة والشيخ جراح، وقليلًا ما يتناول أحداث بيتا، وهي نموذج فريد في مقاومتها تجعل أبطالها خارقين يجب الحديث عنهم".

بدأ الحوراني الذي يعمل في مجال الكتابة البحثية، ومديرًا لأنشطة الأطفال في عدة مدارس بالسويد؛ في كتابة حراس الجبل مع نهاية تموز (يوليو) من عام 2021، وانتهى في شهر أيلول (سبتمبر) من العام ذاته.

ويشير إلى أن كتابة القصة هي أسهل مرحلة، ولكنه صدم برفض أكثر من 30 دار نشر فلسطينية وعربية نشرها، بحجة "تضمنها أحداثًا سياسية".

ويوضح الحوراني أنه بعد اعتذار دور النشر توجه لنشرها عبر حسابه بموقع "جوجل"، لكن الموقع ألغى تفعيل الحساب بعد تحميل قصّته "حراس الجبل"، وهذا -برأيه- "مؤشّر آخر على الانحياز التام للاحتلال ومحاربة الرواية الفلسطينية، مثلما يحدث على منصّات التواصل الاجتماعي"، ما دفعه لنشرها على منصة "أمازون".

بيتا.. خيط يربط الجغرافيا الفلسطينية

وتربط القصّة بين ما يحدث في بيتا وفي القدس المحتلة وحي الشيخ جراح تحديدًا، إذ ينتقل عمّار إلى المدينة المقدسّة في زيارة لا يمكن لمحمد ومها مرافقته فيها، لأن "جواز سفره الأمريكي" يتيح له زيارة القدس دون عوائق، في حين يمنع صاحب الأرض من الوصول إليها. 

وفي الطريق يرى الجنود في كل مكان، وتشرح له والدته عن المستوطنات، وكيف أن سكانها من المستوطنين قدموا من دول العالم المختلفة ليسرقوا أرض الفلسطيني وماءه، ويقتلعوا زيتونه.

بعد ذلك يجد عمّار نفسه وقد انخرط في الأحداث يخطط مع أصدقائه لتطيير بالونات لإرباك الجنود والمستوطنين، ثم يتعلّم صناعة "المقلاع" ويتدرّب على استعماله، ويَكمُن لمركبة عسكريّة بإسقاط صخرة في طريق مرورها لإعاقة تقدّمها، وشيئًا فشيئًا يتعمّق أكثر في قلب الأحداث التي تتواصل إلى أن يقرر ألا يعود لـ"أمريكا".

وبعد أن تأكل العائلة الحمص والفلافل في البلدة القديمة، وتصلي داخل الأقصى وتتجول في باحاته ومصلياته؛ يستاء عمار حين يرى تجمعًا للمستوطنين أمام باب العمود، فيفكر في رشقهم بالحجارة كما يفعل في بيتا، لكنه يشعر بالعجز، وفجأة يقفز محمد ومها من على سور الأقصى، ومعهما عدد من أبناء بلدتهم، وتدور مواجهات، غير أن ذلك كان ذلك حلمًا راوده بعد أن أخذ غفوة داخل المسجد.

مسابقة للمستوطنين

يقرر "عمار" ألا يبقى صامتًا، يطلب من والده أن يُشغل البث المباشر على "فيس بوك"، ثم يصعد إلى حجر قديم عالٍ في منطقة باب العامود، ويخاطب المستوطنين معلنًا مسابقة الرابح فيها سيحصل على تذاكر إلى أمريكا مدة أسبوع. 

وبعد أن يتجمّع المستوطنون حوله، وتبدأ الكاميرات نقل ما يقول؛ يباغتهم بالقول: "من يُثبت أن جدّ جدّه وُلد في القدس فسيكون هو الرابح". 

يستاء المستوطنون، ثم يتطور الأمر إلى مساءلتهم عن أصلهم، وسبب وجودهم في القدس، وهل اشتروا المنزل الذي يقيمون فيه أم استولوا عليه، وتتدخل شرطة الاحتلال وتطرد عمّار من باب العمود، في الوقت الذي تبث منصّات الأخبار ما يحدث.

في طريق عودة العائلة من القدس إلى بيتا يعود عمار إلى نقاش مع والدته عن سبب سفرهم إلى أمريكا، ويسأل: "هل المال أهم من الأرض؟"، فتقول الأم: "إن الهدف من المال إعمار الأرض"، فيرد عليها: "إذا كان المال ليس أهم من الأرض، فلماذا نتركها ونسافر إلى أمريكا؟!".

حاججته الأم بأن المال مهم ليزيد الإنسان قوته، وأن السفر يمكّن الإنسان من تلقي تعليمًا جيدًا ليعود لعمارة بلده وخدمة أهله، وتقرر بأنه مهما ابتعدنا تبقى جذورنا هنا.

وفي أحد فصول القصة يُصاب محمد بالرصاص بعد أن رفع علم فلسطين على صخرة قريبة، وحين يستفيق من غيبوبته داخل المستشفى أوّل ما يسأل عنه العلم: "هل سقط؟!".