"لا لقمع الإرادة الشعبية - لا للإقصاء والتفرد – نعم للشراكة الوطنية- نعم للتوافق الوطني". جاءت تلك الكلمات عنوانا رئيسا للبيان الذي أصدرته حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في رد أول على اجتماع المجلس المركزي الأخير والذي افتقد للشرعية السياسية بما يمثل الكل الفلسطيني، وحمل البيان بنودا واضحة لا لبس فيها ذات العلاقة بترتيب البيت الفلسطيني ومنها المطالبة ببدء حوار وطني جاد على مستوى الأمناء العامين، والهف من تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع، ويمهد لإجراء الانتخابات الشاملة، ما يساهم سريعاً في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
ولا يختلف اثنان من الشعب الفلسطيني على تلك المطالب الوطنية المشروعة ما يشكل من البيان نفسه أرضية وطنية حقيقية يمكن أن تجمع على أساسه جميع ألوان الطيف الفلسطيني، خصوصا أن اجتماع المجلس المركزي ساهم في زيادة الفرقة بين الفلسطينيين وعزز حالة الخلاف، وأحدث لغطا كبيرا وجلبة على مواقع التواصل ووسائل الإعلام حول مدى شرعية تلك الجلسة سياسيا وقانونيا، فضلا عن فرض سياسة الإقصاء الحقيقي على الأرض وضرب دعوات التوافق بعرض الحائط، وهي الصورة النهائية التي خرجت عن جلسة الاجتماع وبعد أن تفرق المؤتمرون فيه وتوزعت خلالها المقاعد محاصصة لأبناء الحزب الواحد.
غير أن جملة ما حققه الاجتماع من نقاط وما أصدره من قرارات في بيانه الختامي أحدث الكثير من الأخطاء الوطنية والشرعية التي تزيد من عدم سلامة المسار السياسي الذي أسس له الاجتماع، فقد حظيت حركة فتح- عباس بنصيب الأسد من مقاعد اللجنة التنفيذية، وكان تمثيل الجبهة الديمقراطية شكليا، حتى على صعيد منصب نائب رئيس المجلس الوطني أضيف له نائب ثانٍ من حركة فتح، إضافة إلى التعيينات الأخرى التي شملتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على صعيد رئيس المجلس الوطني وأمين سر اللجنة وغيرها، إن الخطورة التي شكلتها طريقة التعيين مهدد حقيقي لأي حالة توافق وطني لأنها لم تأتِ في سياق التوافق الوطني باعتباره مدخلا صحيحا لانتخاب ممثلين جدد للجنة التنفيذية وجميع مؤسسات المنظمة، وقد سبق ترتيب عمليات التعيين أو الانتخاب (شكليا) في آخر اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح، وكانت مخرجات اجتماع المجلس المركزي للمنظمة هي تماما ما جاء من ترتيبات داخلية لحركة فتح.
وعلى صعيد القرارات لم يعر الشارع الفلسطيني أهمية لذلك لفقدانهم الثقة في قيادة المنظمة الحالية لسيطرة فتح والسلطة عليها حتى باتت جسر عبور لقيادات متنفذة في قيادة السلطة، وفرصة تمرير مشاريع قادة أجهزة الأمن الموالية لعباس وفريقه المؤمن باتفاق أوسلو والتنسيق الأمني المقدس، وبطبيعة الحال هم بأنفسهم سوقوا لذلك، إلى جانب عدم تطبيق القرارات المتخذة وأنها بقية حبيسة الأدراج، دون تحقيق شيء منها واقعا على الأرض وأن يلمس الاحتلال جدية حول ما يعلن أو يصدر من قرارات وطنية مهمة، ومنها عدم الاعتراف بالاحتلال ووقف التنسيق الأمني وغيرها من كلمات لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وفي صياغة البيان الختامي الأخير تضمن صيغا فضفاضة، وكلمات تشكل مخرجا لصادرها من أن يتجنب تنفيذها وهي: "وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للشعب الفلسطيني".
وهذه مفسدة حقيقية، حيث ستتذرع قيادة اللجنة التنفيذية الجديدة من أن تنفيذ وقف التنسيق الأمني سيضر بالمصلحة العامة، و أن ملاحقة الاحتلال في المحافل الدولية ومحاسبته ستعيقان تقدم المسار السياسي للسلطة الأمر الذي سيهدد مصالح الشعب (من وجهة نظر السلطة) للخطر، ودواليك تقضي قيادة اللجنة التنفيذية وقتها وهي تتجنب تنفيذ قرارات بيانها الختامي، و سبق أن أصدرت قرارات عام في الدورة 29 و في الدورة 27، التي عقدت عام 2015، وقررت أيضا وقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل)، ووقف الاستيطان، وملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية. والأخطر من ذلك هو تعيين أشخاص بطريقة أمر واقع ليس عليهم إجماع وطني فضلا عن شكوك الشارع الفلسطيني في علاقات أولئك بالاحتلال من خلال عملهم وآخرين اتهموا بقضايا تهريب وسرقة، صدروا اليوم قيادة لأهم مؤسسة وطنية فلسطينية.
ومن هنا تأتي أهمية البيان بوصفه بيانا وطنيا بامتياز ينتفض على سياسة التفرد والإقصاء وهو محدد مهم حيث تقف تلك الفصائل مدافعة وبقوة عن حق الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته بالانتخاب الحر أو التوافق الوطني الكامل بما يضمن وجود برنامج وطني يحافظ على حقوق الفلسطيني أنّى وجد، وضمان وجود نزاهة في إصدار القرارات ومتابعة تنفيذها، وتأكيد البيان على الشراكة الوطنية والوحدة وإطلاق حوار جاد يعكس الروح الوطنية لهذه الجبهة الوطنية التي تنسجم مع تطلعات الشعب الساعي للوصول إلى وحدة وطنية تضمن وجود قيادة وطنية له، تقف على قاعدة برنامج سياسي يعمل على وجود حكومة وحدة وطنية، وإمكانية تنفيذ انتخابات شاملة يجرى خلالها الاقتراع الحر وتؤمن مسارا ديمقراطيا صحيحا تعمل من خلاله على وضع إستراتيجية مواجهة الاحتلال والاستيطان ووقف عمليات هدم المنازل وتأمين حياة المواطنين بعيش كريم وحياة آمنة بعيدة عن اعتداءات المستوطنين المجرمين، وتشكيل جبهة حماية وطنية للقدس والأقصى والأحياء المقدسية وسكانها.
خلاصة: إن موقف الفصائل الرافض لاجتماع المجلس المركزي الذي أجري في الأيام القليلة الماضية ليؤكد صوابية مسارها ونهجها الوطني، وأنها تشكل أساسا متينا لقيادة وطنية مدافعة عن حقوق الشعب، وأنها لن تغيب ضرورة الوصول للوحدة وإنهاء مظاهر سياسة الإقصاء والتفرد، وهو ما يصبو إليه كل فلسطيني حر وطني غيور.