تشهد الساحة الفلسطينية من وقتٍ لآخر هبات جماهيرية حاشدة تؤكد تمسكها بفلسطينيتها ورفضها المطلق لوجود الاحتلال على أي جزءٍ من فلسطين، فاليوم هبةُ النقب وبالأمس هبة اللد، ومن قبل هبة القدس التي أشهرت غزة سيفها دفاعا عنها، ومن بعد سيبقى الباب مُشرعًا أمام اندلاع هبات أخرى ما دام الاحتلال جاثمًا على هذه الأرض، وسط كل ما سلف من هبات نرى الحالة الفلسطينية رازحة تحت واقع سياسي بالغ التعقيد قادر على إجهاض محاولات امتلاكنا القدرة على الاستثمار السياسي لهذه الهبات، واقع سياسي مأزوم يجد نفسه حاضرًا في سياسات رئيس السلطة أبو مازن الذي ألحق بقضيتنا كل ما يستوجب القدح في أهليته لقيادة شعب يقاوم الاحتلال، وهذا الحكم ليس متأثرًا بأي مشاعر بل ينهض على أساس عقلاني يُغذيه الواقع، فأفعال وأقوال الرجل هي من تساند إطلاق هذا الحكم عليه، منذ اللحظات الأولى لاستخلافه لم يخف أبو مازن رفضه للمقاومة المسلحة، وجهر بموقفه الرافض لعسكرة الانتفاضة، وصدح بتبنيه خيار المقاومة الشعبية، فسارع إلى نزع سلاح المقاومة في الضفة المحتلة تاركًا مدنها وقراها بلا سلاح يحمي ويقاوم، و أصبحت المقاومة الشعبية في عهده فعلا وطنيًا غائبًا عن الحد الأدنى الضاغط على الاحتلال، على خلاف انتفاضة الحجارة عام 1987، تلك الانتفاضة التي نجحت في صناعة زخم نضالي منقطع النظير في اتساعه وديمومته وتأثيره الذي وضع العدو تحت طائلة الضغط والخسارة، غير أن تلك الانتفاضة كانت وللأسف شاهدة على فشلنا نحن الفلسطينيين في إجادة الاستثمار السياسي لما نصنعه، وقد كان هذا عبر اتفاق أوسلو الذي شهد حضورًا بارزًا لأبو مازن في قائمة الشخصيات الضاغطة للتوقيع على الاتفاق الذي تم تسويقه باعتباره إنجاز تاريخي يبدأ باستعادة جزء من الوطن وينتهي باستعادة الوطن، ، أبو مازن كان مطلعًا وبشكل كامل على الوظيفة الحقيقية لاتفاق أوسلو، صناعة سلطة فلسطينية لا تتجاوز في عرف الاحتلال حدود كونها إدارة مدنية تقدم خدمات حياتية لسكان أرض لا حق لهم فيها، والوظيفة الأهم للسلطة والتي أخلص قاداتها في أدائها هي إجهاض أي فعل مقاوم ولو كان دفاعًا عن النفس
المقاومة الشعبية أصابها الشلل في عهد من يزعم إيمانه بها والذي لم يكتفِ بتعطيلها، بل اتخذ الإجراءات الصارمة لوقف محاولات إنعاشها، فسارع إلى اعتقال ثوار المقاومة الشعبية في الخليل وبيتا وفي مناطق أخرى بعد أن نجحوا في صناعة مخالب لهذه المقاومة وأوجدوا زواجر أجبرت المستوطنين على التخلي عن أطماعهم في جبل صبيح في بيتا ولو إلى حين، لم تقف وظيفة السلطة الأمنية عند هذا القدر من الخذلان الوطني، بل زاد مستواه باتباعها سياسة الاكتفاء بالتفرج على أبناء شعبنا وهم يتعرضون لإجرام الاحتلال جنودا ومستوطنين في بُرقة ودوما وعوريف وغيرها من القرى التي اعتادت الاعتداء عليها وسط التزام عناصر الأجهزة الأمنية بقرار رئيس السلطة التقهقر والاختفاء إذا حضر المستوطنون، والتقدم والهجوم إذا حضر من يدافع عن شعبه.
أبو مازن وفريقه وبعد أن انتهوا من مرحلة تجريدنا من أدوات مقاومة الاحتلال انتقلوا إلى مرحلة تجريدنا من أدوات الدفاع عن النفس، وهذا ليس قاصرًا على ساحة الضفة المحتلة بل نراه حاضرًا في كل الساحات المطلوب من السلطة النضال فيها لأجل قضيتنا، ولو استعرضنا نضال سلطة أبو مازن في الساحات الدبلوماسية والقانونية والحقوقية والإعلامية والثقافية وفي كل الساحات لن نجد لهم أي حضور يخدم قضيتنا والشواهد على ذلك كثيرة، ، باختصار قضيتنا بلا ظهير رسمي يساندها، وها نحن اليوم نقف في مواجهة الاحتلال بلا أدوات نضال سياسي ودبلوماسي، وبلا أي أدوات نضالية، وبلا أدوات مقاومة مسلحة ولا شعبية في الضفة المحتلة القادرة بشعبها الثائر وبحكم جغرافيتها الإثخان في الاحتلال.
هنا نطرح عدة أسئلة، إذا كان أبو مازن رئيس الشعب المحتل لا يريد مقاومة الاحتلال بالسلاح، ولا يريد مقاومته بالمقاومة الشعبية، ولا بالسياسة، ولا بالدبلوماسية، ولا بالقانون، فبماذا سيقاوم الاحتلال؟ بماذا يدافع عن حقوق شعبنا؟ بماذا سيجبر الاحتلال على الرحيل عن أرضنا؟ هل بمقاومة "أشبعتهم شتمًا" وسبًا.. التي يمارسها أبو مازن وفريقه لخداع الناس وتضليلهم؟
يجب أن يدرك الجميع أن أبو مازن قد حسم أمره واختار طريقه الذي ثبت بعد 17 عاما من رئاسته للسلطة أنه لن يُعيد لنا الحقوق ولن نحافظ به عليها، هذه حقيقة تأكيد الجميع عليها لا يكفي لوقف الخسائر السياسية التي تتعرض لها قضيتنا، بل يجب التصرف مع أبو مازن وفريقه باعتبارهم أدوات تخريب لمشروعنا الوطني ومعاول هدم لكل إنجاز، وهذا يفرض على كل القوى والفصائل الوطنية حسم أمرها واتخاذ خطوات عملية تضمن تحرير قرارنا الوطني من سطوة أبو مازن وفريقه، فالكل الفلسطيني اليوم (قوى وفصائل وهيئات ونُخب) عليه واجبات سيحيلنا التقصير فيها إلى ما لن نقوى غدا على دفع ضرره الوطني عنا.
فأولى الواجبات تحرر كل الفصائل من قيود الحسابات الحزبية الضيقة واتخاذ قرارات صارمة تتناسب مع مستوى الخطر الداهم المهاجم لقضيتنا عبر بوابة أبو مازن وفريقه.
ثانيا- مقاطعة كل فصائل منظمة التحرير اجتماع السادس من فبراير للمجلس المركزي، الاجتماع الذي تريده فتح أبو مازن شاهد زور على القرارات الضامنة لإطالة عمر استفرادهم بالقرار الفلسطيني، ونشيد هنا بموقف الجبهة الشعبية الرافض للمشاركة في الاجتماع، وننتظر اتخاذ باقي الفصائل ذات القرار الوطني المسؤول
ثالثا- اتخاذ قرار موحد بإدخال أبو مازن وفريقه في حالة عزلة وطنية يقودنا إليها عدم الاعتراف بشرعية أبو مازن ولا بشرعية كل القرارات والخطوات التي يتخذها.
رابعا- إطلاق حراك شعبي واسع في الضفة وغزة والقدس وفي الشتات يحمل عناوين رافضة لأبو مازن ولتعييناته وتطالب بنزع يده عن المنظمة.
خامسا- جمع توقيعات مليونية ترفض استمرار أبو مازن في رئاسة المنظمة وتؤكد على نزع اعترافها به، ويتم التواصل مع المؤسسات الأممية في هذا الخصوص.
سادسا- اتخاذ قرار موحد بدعوة الجماهير في الضفة المحتلة إلى العصيان المدني والالتزام بكل مقتضيات إنجاح هذا العصيان.
سابعا - تذكير عناصر الأجهزة الأمنية بنضالاتهم المشرفة خلال انتفاضة الأقصى ودعوتهم إلى التمرد على منظومة التنسيق الأمني والمسارعة إلى تجديد عهدهم بمقاومة الاحتلال.
ثامنا– وسط تنفيذ كل أو بعض الخطوات السابقة يجب تشكيل إطار قيادي لمنظمة التحرير يضم كل قادة الفصائل ويكون بديلا لقيادة أبو مازن وفريقه، إطار قيادي يتولى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ويعيد للقضية الفلسطينية أوراق قوتها.
ما سلف طرحه سيبقى ضرورة وطنية تفرضها إساءة استخدام أبو مازن وفريقه القرار الفلسطيني وتوظيفه في كل اتجاه يضر بقضيتنا ويزيد من فرص تصفيتها، فالحسم يجب أن يُقابل بحسم بصرف النظر عن الخسائر المادية والمعنوية التي قد تلحق بنا، فخسارةُ مصلحة شخص أو مؤسسة، وخسارة مصلحة فصيل، لا يساوي شيئا أمام خسارة وطن.