الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وفي أماكن وجوده قاطبة يعد منظمة التحرير الفلسطينية مؤسسته الشرعية التي تحظى باحترام واسع ولكن ليست بحالتها اليوم التي تعيشها من تجمد في صلاحية قيادتها ومؤسساتها التي سبق عليها الزمن دون تغيير أو تحديث أو إصلاح وهي المهمة الأولى الواجبة على قيادة المنظمة النزول لرغبة الشعب والبدء بإعادة بنائها على أسس وطنية واضحة، و شكل اجتماع الأمناء العامين للفصائل فرصة حقيقية للعمل الجاد للتأسيس لرؤية كاملة تنطلق من أسس الثوابت الفلسطينية الراسخة بأن القدس عاصمة فلسطين، وحق عودة اللاجئين، والإفراج الكامل عن الأسرى وحق شعبنا في أرضه التي خرج منها عنوة عام 1948م، وهذه يمكن اعتبارها خطوطا عريضة لأي برنامج وطني جامع، وفي ضوء ذلك يتم رسم استراتيجية وطنية للتحرير يمكن أن تتفق الفصائل فيما بينها على مرحلية التحرير ولكن يجب أن يؤخذ من جانب رئيس الاتفاق على جميع أشكال المقاومة، المسلحة والشعبية ومواجهة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة سياسيا وقانونيا وثقافيا وتفعيل الساحات العربية والإسلامية وتحشيد الرأي العام الدولي المتعاطف والمتضامن مع قضيتنا الفلسطينية. الحاصل في الوقت الراهن هو استبعاد كل ذلك من رئيس السلطة محمود عباس وفريقه، والإصرار على أكثر من ذلك التمسك بخيار أوسلو الذي قتلته آلة الحرب الصهيونية أكثر من مرة، وإن الأسباب الظاهرة وراء ذهاب فتح لعقد الاتفاق مع الاحتلال كما تحدث عنها عباس في كتابه الطريق إلى أوسلو:
-
العمل على الوصول لحل سياسي ينهي الاحتلال ضمن مراحل ينص عليها الاتفاق تضمن وقف العدوان والانسحاب وتأسيس سلطة تنفيذية.
-
وقف عمليات القتل الصهيوني للأطفال والنساء والمدنيين والكل الفلسطيني من جراء تواصل الانتفاضة (انتفاضة الحجارة 1987م).
غير أن حقيقة الأمر على أرض الواقع لم تكن كذلك، لقد جاءت منظمة التحرير تجثو على قدميها تنشد أي اتفاق مع الكيان الصهيوني ،فيما لم يقدم الاحتلال سوى فتات من مما أطلق عليه امتيازات، وإعادة تموضع لجيشه من داخل مناطق قطاع غزة إلى أطرافه، ولم يكتمل الانسحاب من غزة حتى اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000م، والتحم الشعب مع مقاومته في ملحمة بطولية ثورية آتت أكلها عام 2005م، بتحرير غزة من براثن الاحتلال ومستوطنيه، وفي المرحلة التي أعقبت رحيل قائدها الكبير ورئيس السلطة وأحد أهم الرموز الفلسطينية أبو عمار ياسر عرفات، ومجيء مرحلة محمود عباس، خطت فتح برنامجا سياسيا يستكمل ما تعطل من اتفاق أوسلو في عهد أبو عمار وتم اعتبار التنسيق الأمني مقدسا والمقاومة عنفا والحديث عن حق العودة بدعة وجنونا، والبقاء على معاناة الأسرى، وزيادة معدلات هدم منازل المواطنين بقوانين صهيونية زائفة في القدس المحتلة ومدن الضفة ومناطق الأغوار والخان الأحمر ووادي عارة والقائمة تطول. اليوم يصر محمود عباس وفريقه من فتح على عقد أهم مؤسسة فلسطينية منبثقة عن المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية (المجلس المركزي) لتمرير برنامج سياسي واختيار قيادة محددة تكمل مشوار التعاون مع الاحتلال مبنيا على أساس:
-
التعايش مع الاحتلال، والاستمرار في تبادل المعلومات والأدوار في ملاحقة المقاومة، واستطالة أمد الوجود الصهيوني.
-
المحافظة على حالة الهدوء في الضفة وتغييب مناطق جغرافية من الوطن مثل غزة والداخل المحتل وفلسطينيي الشتات ويمنع الحديث عنها إلا في إطار العمل تحت مظلة برنامج محمود عباس.
-
لا لأي شكل من أشكال المقاومة التي تتسبب في زعزعة استقرار الاحتلال والحفاظ على وجود السلطة القائمة والاستفادة مما يُمنح لها من امتيازات شخصية من تصاريح وأموال ورتب وقادرة على الحركة عبر موافقات الاحتلال.
وأمام هذه الصورة القاتمة التي تصر فتح ورئيسها محمود عباس على رسمها للحالة الفلسطينية فإن الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من الأسرى وهدمت منازله وشرد من أرضه وحرم حق الحياة في وطنه له الحق الكامل اليوم في أن تكون له قيادة وطنية تقوم على:
-
عدم الاعتراف بالاحتلال الصهيوني في حقه بالوجود على أرض فلسطين لأن وجوده قائم على السيطرة والاستيلاء للأرض وليس له حق فيها ولا ملك.
-
المقاومة بكل أشكالها هي خيار الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه وبسط سيطرة أبنائه على كل التراب من رأس الناقورة شمالا حتى رفح جنوبا.
-
العودة حق مقدس وليس التنسيق الأمني، وبالتالي كل اللاجئين يجب أن يعودوا إلى أرضهم وتضمن قيادة الشعب الوطنية تحقيق ذلك لهم.
-
القدس عاصمة دولة فلسطين كاملة السيادة أرضا وحدودا شرقها وغربها شمالها وجنوبها كل ذرة تراب في القدس هي فلسطينية عربية إسلامية بامتياز.
-
حق المواطنة لكل أبناء شعبنا الفلسطيني والاعتراف بحقهم بالوجود على أرضهم وعدم التمييز بين أحد منهم.
ولتحقيق ذلك، على شعبنا الفلسطيني وفصائله استحقاق مهم في هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها قضيتنا الفلسطينية، وهي مسؤولية جماعية وطنية وأعتقد أنها تتمثل في:
-
إجبار محمود عباس وفريقه على القبول بالوحدة الوطنية والنزول على قرار الإجماع الوطني الداعي لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير.
-
الدعوة لمؤتمر وطني جامع للفصائل والفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني وعشائره والاتفاق على رؤية وطنية جامعة تتبنى مشروع تحرير فلسطين.
-
البدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع شتات مؤسسات السلطة في غزة والضفة وتعترف بكل موظفي القطاع العام دون تمييز أو تقسيم.
-
الإعداد لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني ومحلية كاملة تسود فيها الديمقراطية والنزاهة والشفافية، تفرز قيادة ولكن الجميع يعمل ضمن القيادة الجماعية المشتركة لا سيطرة لحزب أو فصيل. (هي دعوة أكدتها حركة حماس، وفصائل المقاومة).
خلاصة: الدور الشعبي هو المعول عليه في حسم مؤسسات الشعب من سلطة ومنظمة لصالح مشروعه تحرير الوطن وتحقيق العودة والإفراج عن الأسرى، وهو ما ينتظر في قادم الأيام، كما أن للمقاومة كلمتها الفاصلة مع الاحتلال التي تقطع كل قول بعدها.