فلسطين أون لاين

أغاثوهم حين تجاهلهم العالم وجمعوا أكثر من 5 ملايين شيقل

"أشقاء المحنة" يُدثرون أهل الخيام السوريين من "جحيم الشتاء"

...
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني
  • نساء القدس خلعن مصاغهن ورجالها بأموالهم والأطفال أفرغوا حصالاتهم
  • خليل: أهل النقب "رفعوا اللقمة عن فمهم وأعطوها للاجئين السوريين"
  • ذياب: مواقف مدهشة رصدتها الحملة لفقراء اعتذروا لقلة ذات اليد
  • بدر: فلسطينيو الداخل وفروا ثمن 1000 شقة ضمن مشروع "بيت بدل خيمة"

رؤية مشاهد للاجئين السوريين وهم يرتجفون بردًا حرّكت قلوب الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، فتدافعوا لتقديم كل ما يملكون من مال لإغاثتهم، و"آثروهم على أنفسهم" على الرغم من أنهم يعانون ظروفًا معيشية صعبة وهدمٍ متكرر للبيوت من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أو حتى لا يملكون بيوتًا كما هو الحال مع أهل النقب المحتل.

"ما وجدته من تجاوب مع حملة التبرع للاجئين السوريين، يؤكد بأنه يحق لنا بأن نفخر بشعبنا، فما حدث وما يحدث يفوق الخيال"، يقول الناشط الاجتماعي المقدسي إبراهيم خليل.

فـ"خليل" يقوم على حملة تبرع للاجئين السوريين، مدفوعًا بالمشاهد التي انتشرت لمعاناة اللاجئين السوريين في العاصفة الثلجية الأخيرة، فكان هدفه توفير مئة مدفأة بمبلغ قدره ستون ألف شيقل وهو ما تحقق له في يوم واحد.

وعندما لمس خليل دافعية الناس اللا محدودة للعطاء، طور الأمر لتوفير وسائل التدفئة لـ255 خيمة للاجئين، وما تبقى من مال رصد لتزويد هذه البيوت بالخبز واللبس وعوازل للخيام.

النجاح الذي حققته الحملة في جزئها الأول جعل خليل ينتقل لمرحلة أخرى وهي جمع التبرعات لتحويل خيام اللاجئين للبيوت، تكلفة كل بيت 8500 شيقل ضمن مشروع "بيت بدل خيمة"، موضحًا أن الحملة جمعت تكلفة بناء 255 بيت خلال يومين، وفي اليوم الثالث وصلنا لتكلفة 273 بيت، بما فاق خمسة ملايين ونصف مليون شيقل.

إبداع القدس

يقول خليل: "كشفت الحملة عن تقصير دولي فاضح بحق هذه القضية الإنسانية، في حين حرّكت قلوب ومشاعر شعبٌ فقير يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي".

وتفاجأ خليل بكمية الاتصالات "المهولة" من الضفة الغربية، لكن الحملة لم تستطِع استقبال تبرعاتهم بسبب "القوانين الإسرائيلية الجائرة" التي تمنع استقبال أموال التبرعات من الضفة، مشيرًا إلى أن القدس المحتلة أبدعت في هذه الحملة فقد تبرعوا بمبالغ هائلة.

ويزيد بالقول: "فقد خلعت نساء القدس حليهن وتبرعن بها، على حين قدم آخرون أموالهم التي ادخروها لأداء الحج والعمرة، في حين قدم شاب مصاريف "عرسه" وأرملة كل ما تملكه من مال، وطلبة جامعيون قدموا مصروفهم (قرابة 55 ألف شيقل فقط)".

فالمأساة كانت أكبر من أحلام هؤلاء المقدسيين، عندما وجدوا أشقاءهم السوريين لا يموتون مرضًا بل بردًا، "فأن يكون هناك شخص يحييه معطفًا، يجعل ادخار المال للأبناء مستقبلًا أمرًا غير محبذ، فبمجرد أنْ تساعد محتاجًا فإن الله سيحفظ أبناءك من بعدك".

وفاق الإقبال على الحملة التي أطلقها خليل من صفحته على موقع "فيسبوك" التي تضم 55 ألف متابع فقط، كل توقعاته، عازيًا الإقبال إلى "الإرادة الصادقة في إنقاذ أطفال يرتجفون بردًا".

ويبين أن رؤية الناس لنتائج تبرعاتهم سريعًا على الأرض، أعطى ثقة بالحملة، خاصة أنه غير تابع لأي حزب أو جماعة أو مؤسسة، "لكنني تواصلت مع جمعية القلوب الرحيمة، التي تتواصل بدورها مع جمعية تركية إغاثية، لتستقبل التحويلات البنكية وتعطيها لمستحقيها".

وإذ يستمر خليل في جمع التبرعات، فاجأه أهل النقب الذين يمنعهم الاحتلال أصلًا من البناء ويعانون أوضاعًا معيشية صعبة، بتبرعاتهم، قائلًا: "لم يقصروا أبدًا رفعوا اللقمة من فمهم وأعطوها للاجئين السوريين، في حين قرى بشمال فلسطين كــ"نحف" تبرعت بمليون شيقل، في حين قدم أهل طمرة مليوني شيقل".

جددت الدافعية

ففيديوهات لطفلة سورية أو امرأة عجوز تشكر القائمين على الحملة أو للنساء وهن يزغردن عند وصول قوافل المساعدات لهن، أثلج قلب خليل وجددت دافعيته لمواصلة العمل لإغاثتهم.

وتقع المناطق التي تصل لها المساعدات ضمن الأراضي السورية الموجودة تحت السيادة التركية.

ويوضح خليل أن بناء البيوت الجديدة بدلًا من الخيام سيستغرق قرابة ستة شهور، "نبني قرية كاملة يوجد فيها مستوصف ومسجد وبنية تحتية ودورات مياه وشبكات صرف صحي وخطوط كهرباء وبما يستلزم ذلك من مخططات هندسية وتصريح رسمي".

والحملة التي يقوم عليها إبراهيم وما يشابهها من حملات في الداخل الفلسطيني لإغاثة اللاجئين السوريين حازت أيضًا اهتمام الناشط أمين ذياب، الذي عدّ أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تلك الحملات جعلها أكثر أهمية وسرعة في الوصول للناس.

ويقول ذياب: "دائمًا ما كانت الحملات بطرق تقليدية من خلال المساجد، ومقرات الجمعيات أو عبر إعلانات صحف واللافتات في الشوارع، يؤدي لحصرها بشرائح محددة، لكن الحملات الأخيرة وسعت شريحة المتبرعين لتشمل كل أهل الداخل".

ويعزو ذلك لكون أغلبية المواطنين يمتلكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد وصلت لهم الرسالة وشاهدوا حال اللاجئين السوريين ومخيماتهم، وأصبح بإمكان الجميع تحويل التبرعات وهم جالسون في منازلهم.

ويؤكد أن التوثيق الفوري لوصول التبرعات وأثرها في نفوس متلقيها، حفز الجميع إلى أنْ يكونوا مساهمين في هذا الخير العظيم ولو بالمساعدة في نشر الحملات وتوصيلها للناس.

وإذ يشير ذياب إلى أنه يخصص مبلغًا شهريًّا ثابتًا من دخله لصالج اللاجئين السوريين، يسخر أيضًا صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي للدعوة للتبرع، "وفي حال وصلتني أي تبرعات أقوم بتحويلها لجمعية "القلوب الرحيمة" عبر مندوبيها الرسميين وحسابها المصرفي، لأكون حلقة وصل بين اهل الخير وأهله المستحقين له".

ويدعو كل مقتدر لأنْ يحذو حذوه، لكي تبقى المساعدات مستمرة طوال العام ولا تقتصر على وقت معين.

تبرعات الفقراء

وفي أثناء الحملات كانت هناك مواقف أدهشت ذياب كموقف امرأة فقيرة تعتمد أصلًا على صدقات على أهل الخير في إعالة أبنائها، لكنها "آثرت" اللاجئين السوريين على نفسها، وقدمت كل ما تملكه "مئة شيقل" وهي تعتذر بأن هذا كل ما تقدر عليه.

وقال: "وهناك نساء تبرعن بالمال ثم عاودن الاتصال ليتبرعن بمصاغهن الذهبي لأنهن رأين أن المبلغ الأول لا يكفي! والفقراء والأطفال الذين وهبوا مدخراتهم كلها للحملة".

ولم يقتصر التبرع على المعوزين بل أيضًا كان للأثرياء إسهام واضح فيه، فبعضهم تبرع بمبالغ خيالية كمن كفل مخيمًا كاملًا من الغذاء والتدفئة طيلة الشتاء بمبلغ 400 ألف شيقل، في حين ألغت عائلات مخططاتها للتنزه التي ألغت سفرها للخارج للتنزه ووضعت المال للحملة، وغيرها من المواقف التي تعد ولا تحصى.

مسيرة ممتدة

في حين يبين عضو جمعية "القلوب الرحيمة" القائمة على إغاثة اللاجئين السوريين منذ عام 2016م رائد بدر، أن هذا العمل أصبح "مسيرة" بالنسبة للجمعية تخللها العديد من الحملات الإغاثية خلال السنوات السابقة، "للأسف اللاجئون السوريون للسنة الثالثة عشرة على التوالي موجودون في الخيام دون أن يمد أحدٌ يد العون إلا القليل من الأفراد والجمعيات، في حين تغفل الدول والحكومات هذا الأمر".

ويفيد بأن آخر الإحصائيات تقدر عدد اللاجئين السوريين بنحو مليون و900 ألف لاجئ يعيشون في خيام لا تصلح لعيش الحيوان فما بالك بالإنسان؟!

ويقول بدر: "الأرقام المهولة للاجئين تفوق قدرة أي مؤسسة خيرية، لكننا نواصل مساعدتنا لهم بقدر الإمكان يساعدنا في ذلك أصحاب الضمائر الحية من المتبرعين".

ويمضي مضيفًا: "الفلسطيني أول مَنْ ذاق مرارة التهجير في أثناء النكبة عام 1948م، ووقتها الشعب السوري احتضن الكثيرين منا، وفي أثناء جولة لي في مخيمات النزوح السوري التقيتُ بعائلة سورية نازحة كانت قد استضافت في بيتها أربع عائلات فلسطينية لاجئة عام 1949م".

تبرعات سخية

وإذ يوضح بدر أن مشروع "بيت بدل خيمة" قائم على بناء قرى مكتملة الخدمات يستلم كل لاجئ فيها شقة سكنية "من غرفتيْن ومنافعهما"، ينبه إلى أنه يجري العمل منذ تسعة أشهر على بناء 1700 وحدة سكنية، تم تسليم جزء كبير منها خلال العاصفة الثلجية الأخيرة، "وسيتم تسليم بقيتها خلال الأسابيع القادمة، وهي البيوت التي انتشرت صورها في وسائل الإعلام مؤخرًا وجرى بناؤها داخل الأراضي السورية الواقعة تحت السيادة التركية".

ويثني بدر على الانتفاضة الإنسانية لفلسطينيي الداخل نصرة لأشقائهم السوريين، "شهدنا حملات تبرعات مهولة بفضل حملة إبراهيم خليل التي بادرت بتحويل الأموال للجمعية، لقد أصبح لدينا ثمن ألف شقة سكنية يجري التخطيط لها من قبل المهندسين والمقاولين على أنْ يتم بناؤها وتسليمها قبيل نهاية العام الجاري وسيكون مكانها المخيمات الموجودة على الحدود السورية -التركية".

وتبعًا لبدر، سبق لـ"القلوب الرحيمة" أن سيرت مع حلول الشتاء قوافل من الشاحنات بوسائل التدفئة وأغطية الخيام لـ400 ألف أسرة، وخلال الأسبوع القادم ستخرج ثلاثة وفود من الجمعية كل وفد سيضم 30 شاحنة للاجئين، لافتًا إلى أن الجمعية قامت ببناء 15 مدرسة في مخيمات اللجوء، وهي تُسيرُ أيضًا عيادات طبية متنقلة توفر الكشف والدواء للمرضى.

يختم بدر: "المأساة هناك كبير، 1750 مخيمًا للاجئين السوريين، يحتاجون لمواد إغاثية في اليوم الواحد بنحو 17 مليون دولار".