فلسطين أون لاين

​"خيّاط الميناء".. عملٌ شاقٌّ في مكانٍ ممتع

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

ربما كان مشهد جلوس الفلسطيني نادر شبير خلف ماكينة الخياطة في أحد أركان ميناء غزة، غربي المدينة، أمرًا غير مألوف لدى المتنزهين في ساحة المرفأ، الأمر الذي دفعهم للتجمهر حوله أثناء حياكته "غزل" الصيادين.

ومنذ ثلاث سنوات، ينشغل شبير (35 عاما)، خلال الأشهر الوسطى من كل عام ميلادي، في تجهيز شباك الصيادين وإحكام حياكة القطع الصغيرة مع بعضها البعض بواسطة خيوط قوية مقاومة للتمزق ولملوحة مياه البحر، لتكون في نهاية المطاف شبكة صيد متكاملة.

ومع اقتراب الشمس إلى المغيب، يبدأ شبير بتجهيز نفسه للخروج من منزله في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، كي يقضي يوم عمل جديدا في ساحة المرفأ بعيدا عن الأشعة الحارقة نهارًا.

وعن تفاصيل عمله، يتحدث شبير لمراسل "فلسطين"، بعدما صادفه دون موعد مسبق، قائلا: "تعلمت الخياطة قبل 20 سنة من الآن، فهي بمثابة مهنة متوارثة من والدي وأجدادي، لذلك اتخذها الكثير من أفراد العائلة مصدر رزق أساسيا خلال السنوات الماضية، قبل الحصار".
ويضيف: "كان المصنع يتوقف عن العمل أحيانا نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، فكنت أبحث عن فرص عمل أخرى تكفل للعائلة التي أعليها حياة كريمة، فلم أجد عملًا إلا في إطار مهنة الخياطة كتصليح الملابس مثلا، وقبل قرابة الثلاث سنوات نسجت علاقات عمل مع بعض الصيادين، وخاصة من سكان المخيم".

في تلك الفترة راح شبير يعمل لصالح الصيادين في إصلاح وترميم شباكهم الممزقة لأسباب مختلفة عبر حياكتها داخل مصنعه، ولكنه رأى أنه من الأفضل تجهيز الغزل وتشبيك قطعه المتناثرة في ساحة الميناء لتوفر مساحة تضمن إخراج العمل النهائي بجودة عالية.

"ولكن هل يكون الطلب على مدار أيام العام أم هناك مواسم محددة؟"، عن سؤالي هذا أجاب خياط الميناء: "الطلب يبدأ غالبا في شهر مايو/أيار ويستمر حتى نهاية يوليو/تموز، حيث يكثر موسم السردين، أو ما يعرف محليا بـ(سمك البزرة)، لذلك يسارع الصيادون لتجهيز شباكهم وغزلها على أمل أن يحظوا بصيد وفير".

وتحتاج مهمة خياطة غزل الصيادين إلى مزيج من الإتقان والدقة والصبر والمرونة، وهي تتميز بالسرعة والمتانة مقارنة بالوسائل البدائية، وعلى ذلك يعلق الثلاثيني شبير: "يومين أو ثلاثة على أكثر تقدير أكون خلالها قد جهّزت الغزل بالكامل، أما لو لجأت للخياطة فالصياد يحتاج لأيام طويلة، ويكون الناتج ضعيفا".

ويوضح: "أستخدم في عملية الخياطة أنواعًا مخصصة من الخيوط التي تمتاز بالقوة، وأحتاج لقرابة الساعة لحياكة 120 مترا من شباك الغزل الصغيرة، ومن أجل ذلك أستخدم ماكنة د ألمانية الصنع يتجاوز سعرها الألف شيكل"، مبينا أنه يلجأ لتشغيل عامل واحد لتسهيل مهمة الحياكة وترتيب الغزل.

وأشار شبير إلى أن العائق الأكبر الذي يواجهه في عمله يتمثل في أزمة الكهرباء واضطراره لتشغيل آلة الخياطة على المولد الكهربائي، الأمر يضاعف التكاليف التشغيلية على حساب المقابل المالي المحدود الذي يحصله مقابل عمله الذي يجمع بين مشقة الجلوس خلف الآلة ومتعة العمل في الهواء الطلق أمام هدير أمواج البحر.

وذكر "خياط الميناء" أن الشباك تمثل الثروة الأساسية للصياد والمحرك الأول للعمل البحري، وهي تختلف باختلاف أنواع السمك المراد صيده، ولكن في أغلب الأحيان تقسم إلى شباك صغيرة تستخدم في التقاط السردين، الذي يعتبر من أفضل المواسم لدى الصيادين، وشباك مخصصة لاصطياد أحجام أكبر.

وإن كان الطلب على خدمات شبير يتركز خلال موسم السردين وحاجة رواد البحر إلى شباك الغزل، إلا أن هذا لا يعني عدم لجوء الصيادين إلى طلب خدماته لصيانة شباكهم التي تصاب بالتمزق نتيجة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم.

ويتعرض صيادو غزة لمضايقات إسرائيلية مختلفة كإطلاق النار عليهم من الأسلحة الرشاشة بشكل مباشر دون سابق إنذار، وتمزيق شباك الصيد، وتدمير معدات العمل، بجانب اعتقالهم بشكل تعسفي.

وتقلصت أعداد الصيادين الغزيين تدريجيا منذ عام 2000، من نحو عشرة آلاف صياد إلى قرابة أربعة آلاف، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، موزعين على ست مناطق صيد وهي شاطئ مدينة غزة والنصيرات ودير البلح وخانيونس ورفح وشمال القطاع.