لم تتوقف الحكومة الصهيونية عن هدم منازل المواطنين في مناطق بالضفة والقدس المحتلتين وتلك سياسة متبعة من حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ إقامة الكيان الصهيوني عام 1948م. ذكر المؤرخ الفلسطيني الموسوعي وليد الخالدي في معجمه " كي لا ننسى" وهو حصر تاريخي عن القرى والمدن الفلسطينية المهجرة، أن أكثر من 915 قرية تم تهجير أهلها منها، ولنا أن نتخيل عدد البيوت التي كانت على أنقاض تلك القرى، وجاء في كتاب إحصاء القدس السنوي أن عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في المدينة المقدسة من الجهة الشرقية بين عامي 1967-2020م بلغ 2267 منزلًا، وأن عدد البيوت بالهدم الذاتي القسري بين عامي 206-2020م، وصل إلى 491 منزلا، ولا تعني هذه الأرقام أن عملية الهدم والتهجير للسكان الفلسطينيين قد توقفت بل تتعمد الحكومة الصهيونية في مواصلة سياسة التهجير والتشريد وهي تتوافق مع (الأبارتهايد) نظام الفصل العنصري، وفي عام 2021م ذكر تقرير أممي أن نسبة الهدم للمنازل في المنطقتين المذكورتين قد بلغ ما نسبته 21% زيادة على العام الذي سبقه، وهو ما يشكل سابقة خطيرة، وانتهاكا واضحا لكل القوانين الدولية. وتصنف قوات الاحتلال هدم المنازل لأربعة أنواع وهي: الهدم العسكري، ويقصد به هدم البيت على يد قوات (الجيش) بذريعة أسباب عسكرية وتعطيها صبغة قانونية، والنوع الثاني الهدم العقابي وهو بذريعة تنفيذ أحد أفراد العائلة الفلسطينية عملا مقاوما، وهي مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة المادة (33)، والتي تنص على أنه لا يجوز معاقبة أي شخص محمي، ضد جريمة لم يرتكبها شخصيا؛ وبالتالي فإن "الهدم العقابي" يعارض النظام الأساسي لهذه المعاهدة والمادة (50) من قرارات "لائحة لاهاي". كما ورد في تقرير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) والنوع الثالث الهدم الإداري وهو الأكثر شيوعًا، وينفذ هذا القرار بذريعة البناء دون الحصول على ترخيص، أو بذريعة المصلحة العامة. وتكمن السهولة في إصدار القرار الإداري للهدم بالاكتفاء بإصدار مهندس البلدية بلاغًا بهذه الحالات؛ في حين يقوم رئيس البلدية بدوره بالتوقيع عليه؛ مع أن "البناء بدون تراخيص" يجري أيضًا في المستوطنات بكثرة. إضافة إلى النوع الرابع وهو الهدم القضائي، ويصدر عن المحاكم الصهيونية، ومنها: محكمة الشؤون المحلية، والمحكمة المركزية، والمحكمة العليا. ويأتي قرار الهدم القضائي عادة بعد الانتهاء من الإجراءات والقرارات الإدارية الصادرة عن بلدية القدس. وجميع أنواع الهدم سابقة الذكر التي تمارسها الحكومة الصهيونية هي مخالفة للقانون الدولي، وأوردت (شاهد) في تقريرها أنه في العام 2004م، دعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الاحتلال لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقا لقرار رقم 1544/2004، حيث نص القرار على أن مجلس الأمن دعا (إسرائيل) الى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الانساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافا لهذا القانون.
وفي مقابل ذلك فإن الفلسطيني عاش صورة أخرى من مشاهد إنذار الاحتلال ومنعه عن ممارسة سياسة الهدم، فكانت المقاومة الفلسطينية التي تحظى بالشرعية الدولية هي الأكثر أمنا وثقة للمواطن في ردع الاحتلال وكف أذاه ومنعه من الهدم والاستمرار فيه، عندما نذكر المقاومة فإنها تشمل كل أنواعها الشعبية والإعلامية وغيرها لكن على رأس تلك الأشكال تأتي المقاومة المسلحة، ويمكن لنا استعراض جملة من المواقف التاريخية للمقاومة في الدفاع عن البيت والأرض الفلسطينية:
- لقد أجبرت المقاومة الكيان الصهيوني على الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مستوطناته عام 2005م، والتي استمرت جاثمة على الأرض طيلة 37 عاما من الاحتلال، في الوقت الذي قال رئيس وزراء الكيان آنذاك أرائيل شارون إن نتساريم مثل تل أبيب لم يمضي وقت حتى أعلن انسحابا أحادي الجانب دون اتفاق مع أي طرف فلسطيني ورعاية أممية لعملية الانسحاب، وقد كان العالم شاهدا والمواطن الفلسطيني كيف عملت المقاومة ليل نهار وهي تزيد كلفته وتجبره على الهروب.
- الموقف التاريخي الثاني عام 2007-2008م عندما اختلق الاحتلال الصهيوني سياسة هدم المنازل في غزة عبر قصفها من طائرات حربية، فبادر عضو المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد نزار ريان بصعود المواطنين فوق سطح المنزل المستهدف مما أجبر الاحتلال على التراجع، وقد قدم نفسه نموذجا للتضحية مقابل صورة الإجرام الصهيونية بحق المواطنين العزل.
- في أحداث الأقصى والشيخ جراح راقب المواطن والعالم أجمع صلف وجبروت وتغول الاحتلال الصهيوني على حي الشيخ جراح في محالة لإفراغ أهله منه وفرض مشروع تهويد الحي ومن ثم الاستفراد بالبلدة القديمة والمسجد الأقصى، وهي فكرة تدعمها جمعية الاستيطان وجماعات المستوطنين الغلاة، فما كان من المقاومة أن هددت الاحتلال وجاء في صورة التحذير الشهير لقائد المقاومة في فلسطين القائد العام محمد الضيف الذي يمثل أيقونة المقاومة بكل صورها، فكانت معركة سيف القدس والتي منعت بدورها تهجير السكان، ووقف مؤقت لعمليات الهدم.
إن المواطن الفلسطيني بات اليوم أمام صورتين جليتين وواضحتين القانون الدولي العاجز عن تنفيذ ما يسنه من قوانين ويصدره من قرارات لإلزام الاحتلال وحكومته من وقف التهجير وهدم البيوت، وأن الكيان الصهيوني يصور نفسه أن مؤسساته وقراراته أكبر من القانون الدولي الإنساني ولا ينصاع لاتفاقية جنيف وموادها التي تحظر عمليات الهدم، وفي الصورة الأخرى المقاومة التي أثبتت بالتجربة والبرهان أنها درع للوطن والأرض والإنسان الفلسطيني، وأمام إعراض الحكومة الصهيونية عن إنفاذ القانون الدولي في سياساتها ضد الفلسطينيين فإن المقاومة الفلسطينية هي الضمانة لردع الاحتلال وإحقاق الحق لأصحابه، وأنه بكل موقف يزداد المواطن الفلسطيني ثقة في مقاومته وقيادتها وقدرتها على الانتصار له.