فلسطين أون لاين

تقرير الأغبر.. أكاديمي لغوي يبث الحياة في مخطوطة عمرها 300 عام

...
الأكاديمي بسام الأغبر
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

 

كثيرة هذه الأمثال الشعبية المتداولة التي نُقِلت إلينا شفاهية حاملة معها حياة الشعوب وقصصها منذ عشرات السنين، والتي يراها الأكاديمي والمؤلف الفلسطيني د. بسام الأغبر مرآة تعبر عن واقع اجتماعي وإنساني بأسلوب بلاغي مقتضب.

قبل عامين أخذ أستاذ العلوم اللغوية في جامعة النجاح الوطنية، على عاتقه في فترة الحجر الصحي الذي شهدته فلسطين بسبب انتشار جائحة كورونا، تحقيق المخطوطة الثقافية "الدرر المنتخب في أمثال العرب" للعلامة الشيخ قاسم بن محمد الحلبي البكرجي (1094هـ-1169هـ)، وغاص في أعماقه محققا ومنتجا كتابه الجديد بطريقة جامعة جعلته سهلا ومتاحا للجميع.

يقول الأغبر لصحيفة "فلسطين": إن الغوص في مخطوطة البكرجي لا يعني بالتغني بالماضي والبكاء على أطلاله، وإنما التدقيق فيه لمعرفة أسباب نهوض الحضارات وأسباب أفولها أيضاً، وفهم سياق ظهورها بالعودة إلى الأصول تمحيصًا وتنقيبًا في صورة عصرية تُمكن القارئ من فهمها وتداولها.

ويعزو الأغبر الاهتمام بالأمثال إلى جانبين: اجتماعي يرتبط بحياة الشعوب وقصصها، وهي ناطقة عنهم ومرآة حياتهم، وجانب بلاغي يعبر عن المعاني العظيمة بكلمات قليلة لها سحر بياني وتسرق القلوب قبل الآذان.

ويوضح أن مخطوط "الدر المنتخب من أمثال العرب"، لم يسبق أن تمَّ تحقيقه، على حد علمه واطلاعه، وفي ذلك إشارة عامة إلى ضرورة العودة إلى تلك المخطوطات المحفوظة في مكتبات خاصة، وإعادة النظر فيما حُقق منها وما لم يُحقق، لأن هنالك رأياً يذهب إلى عدم وجود جديد يُحقق في المخطوطات، وهذا المخطوط، وغيره يؤكد وجود كمٍّ كبير بحاجة إلى تحقيق، وإعادة بثِّ الحياة فيه.

غزارة اللغة والمراجع

وعما إذا سهل كتابه على القارئ واختصر عليه الطريق في قراءة ومعرفة قصة الأمثال، يجيب
د. الأغبر: "من المعلوم أنَّ المخطوطات مكتوبة بخط اليد، وهذا يعني التأنِّي في قراءة الكلمات؛ لأنَّ الكتابة المعاصرة، وطريقة رسم الحرف العربي، مرّت بمرحلة تطور كبيرة، وإعادة قراءة النص، وإخراجه بالطريقة المعاصرة، يحتاج إلى معرفة كبيرة جداً بضبط الأحرف والكلمات، والعبارات، وهذه المعرفة غير متوفرة لأي شخص، بل إن كثيرا من أبناء تخصص اللغة العربية، أو الشريعة الإسلامية، لا يمتلكون هذا العلم، فلكل إنسان ميدانه البارع فيه".

ويتابع: "إضافة إلى ذلك، فإنَّ تحقيق المخطوطات يعني العودة إلى كمٍّ كبير جداً من المراجع والمصادر للتأكد من صحة ما ورد فيه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وقصص تاريخية، وعبارات، وأمثال"، مشيرًا إلى استعانته بأكثر من 300 مرجع، للتأكد من صحة وسلامة ما ورد في مخطوطات الأمثال.

ويضيف: "امتلاك القارئ أو المهتم نسخة مُحققة يغنيه عن العودة إلى مراجع للتأكد مما جاء في الكتاب بنسخته النهائية"، مستدركًا: "طبعاً لا يخلو الأمر من أخطاء بشرية، لا يمكن أن يسلم منها عمل بشري".

تصنيف المحتوى

وتوزعت أمثال هذا الكتاب وحكمه وقصصه وحواشيه على 30 بابا، كل باب من الأبواب الـ28 الأولى ختم بأمثال المولدين (غير العرب الذين عاشوا في البيئة العربية)، في حين خُصص الباب الـ29 لأيام الإسلام، والباب الـ30 لنُبَذ من كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء والصحابة والتابعين.

وقد سبق هذه الأبواب فهرس عام وإهداء ومقدمة، وختم بفهارس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقوافي الشعرية، وقائمة المصادر والمراجع، فضلا عن صور من المخطوطة الأم، وجاءت كلها مبثوثة في نحو 800 صفحة من القطع الكبير.

ويذكر المحقق اللغوي الفلسطيني، أن الأمثال في الغالب كانت نثراً، والأمثال الشعرية كانت قليلة جداً، ولكنَّ قصة المثل احتوت على كم كبير من الشواهد؛ إذ بلغت الآيات القرآنية ما نسبته (7%)، والأحاديث النبوية (18%)، واحتل الشعر المرتبة الأولى في الشواهد بنسبة (75%).

وحول آلية تداول تلك الأمثال في أزمنتها المختلفة ومن قالها، يقول الأغبر: "في الغالب لا يعلم قائل الأمثال، وتردد كما قيلت دون تحريف أو تعديل وإن احتوت أخطاء لغوية، وهذا يساعد على سرعة تناقلها وانتشارها بين الناس وسهولة استحضارها".

ومنها ما هو متداول أو قريب منه كمثل "عش رجبًا تر عجبا" و"أزهى من طاوس" و"الحرب سجال" و"مَن صدق الله نجا" و"الطمع الكاذب يدق الرقبة" وغيرها.

صعوبات

وعن أبرز الصعوبات التي واجهها، يذكر الأغبر أن الوصول إلى نسخ المخطوط أكثر ما يُشغل بال المحقق، وربما يُعدُّ ذلك "أمَّ الصعوبات"؛ فكثير من مخطوطات الحضارة العربية الإسلامية موجود في الدول الغربية، ولا يمكن للأفراد الوصول إليها، وهذا يحتاج إلى عمل كبير من الدول العربية ومؤسساته الثقافية لإحضار تلك المخطوطات أو صورها، ونشرها بصورة معينة.

ويشير إلى أن مخطوط "الدر المنتخب من أمثال العرب" كان الوصول إليه سهلاً مقارنة بغيره، إذ حصل على نسختين إلكترونيتين إحداهما إماراتية، والثانية أزهرية متوفرة على شبكة الإنترنت.

ويوضح أن كتابه في صورته الحالية، يُعدُّ تحقيقاً مُصغراً لكتاب مهم جداً، لم ينل ما يستحقه من التحقيق، وهو كتاب "مجمع الأمثال" للميداني.