أصبح الأسرى في سجون العدو الصهيوني أسطورة، بكل ما في الكلمة من معنى، بعد أن حطموا أرقام «غينيس» أكثر من مرة، وأكثر من مثال! فعدد من أسرانا الأبطال هم أقدم الأسرى في العالم، وقد تجاوزوا الأربعين عاما في سجون ومعتقلات العدو، وأبرزهم البطل عبد الله البرغوثي. المحكوم «67» مؤبدا.. وأسرانا الأبطال هم الوحيدون في العالم الذين اختاروا الإضراب المفتوح عن الطعام، وصولا إلى الاستشهاد سبيلا وحيدا للإفراج عنهم ومعانقة الحرية، وها هو الأسير أبو هواش ينتزع حريته، بعد «141» يوما من الإضراب عن الطعام، رافضا مساومة العدو. واستطاع عدد منهم إرغام المحتل على الاستجابة لإرادتهم، والانصياع لإصرارهم، فأطلق سراحهم صاغرا. وقد انتصروا عليه بصبرهم الأسطوري، بجوعهم.. بمرضهم. وأكدوا مقولة أن «الدم ينتصر على السيف»، وأن «الضحية تنتصر على الجلاد».
رسائل عدة يطلقها هؤلاء الأبطال وهم يخوضون معركة الحرية بأمعائهم الخاوية، أهمها:
أولا: أن شعبًا أنجب هؤلاء الأبطال يستحق الحياة، يستحق أن يكون سيدا في وطنه.. وما على الأمة التي ينتمي إليها إلا أن تفتخر بهذا الشعب، فلا تخذله.. ولا تطعنه من الخلف بالتطبيع، وهو حتما سينتصر. وما إرادة هؤلاء الأبطال الفولاذية، إلا تجسيد لإرادة شعب عظيم، يرفض الانحناء والركوع، ويُصِرُّ على المقاومة ألف عام.. وعام، وها قد مضى على مقاومته المفتوحة للعدو «105» أعوام، لم يطأطئ فيها رأسه، بل بقيت قدماه راسختين في سهل مرج ابن عامر وهضاب القدس وجبال النار والكرمل وفي صحراء النقب وشواطئ غزة وحيفا ويافا وأغوار الشهداء، يطاول رأسه السماء.
ثانيا: صمود هؤلاء الأبطال هو رسالة إلى الأمة كلها من الماء إلى الماء، بأن تفتخر بشعب الجبارين الذي يدافع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية، ويُشكِّل رأس حربة في التصدي للعدو الصهيوني، وحليفته أمريكا، وقد حول فلسطين إلى قلعة للمقاومة، وأن التفريط بهذه القلعة هو تفريط بالأمة كلها، فمن يُفرِّط بالقدس يُفرّط بالأرض والعرض والعقيدة والتاريخ، وكل الروابط والقيم الإنسانية النبيلة. وهذا يستدعي وقف التطبيع الذي يشكل ضربة غادرة في ظهر المرابطين، بعد أن ثبت أن سياسة التنازلات للعدو تغير من سلوكه، ولم تغير إستراتيجيته القائمة على الاحتلال والترانسفير والتطهير العرقي.
ثالثا: وهي رسالة للقيادة الفلسطينية ولكل التنظيمات، بأن تتقي الله في هذا الوطن، وفي هذا الشعب، وأن تكف عن النوم مع الأفعى الصهيونية، وتعود إلى حضن الوطن، إلى حضن المقاومة، إلى بيان حركة فتح الأول، وأن تدفن عار «أوسلو» تحت أقدام أبناء الشهداء، وتمزق ورقة الاعتراف بكيان العدو الغاصب.
لم أجد أبلغ في التعبير عن السقوط والسخط والاستياء، من صورة قادة يدّعون أنهم فلسطينيون مع قادة للعدو، في الوقت الذي نشاهد صورة الأسير البطل أبو هواش، يصارع الموت، وابنه الطفل يعانقه العناق الأخير، ووالدته تقرأ القرآن الكريم على رأسه، ضارعة للمولى أن يهبه الحياة.
أسرانا الأبطال صنعوا المعجزة، وأصبحوا أساطير في دنيا العروبة والإسلام والإنسانية، فلهم الحرية والمجد، والموت للعدو، والعار للمتخاذلين.