في زيارات متعددة لبعض المرضى من أصحاب الأمراض المستعصية، أو المفاجِئة، في فترات متفرقة، وجدت المريض وذويه يشكون نقص الخبرة عند بعض الأطباء، ويتحدثون عن حالات تجريب وتخمين في عملية التشخيص والمعالجة. وفي بعض الأحيان أُجريت أمامي مناقشات بشأن ضعف في الجهاز الطبي، على مستوى التخصص والخبرة، وعلى مستوى توافر المستلزمات الحديثة المعينة للأطباء على التشخيص الجيد والناجح.
بعضهم قال وبالغ في القول: عندنا في فلسطين مستشفيات ولكن ليس عندنا طب! يقصد خبرةً وتخصصًا على مستوى عالٍ ورفيع. وقال بعضهم: الطبيب الذي درس وتخصص وامتلك الخبرة الكافية هاجر لأنه لا يجد راتبا يكافئ السنوات التي قضاها في التعليم، ولا الخبرة التي اكتسبها في الممارسة والتنقل بين المشافي، لذا هو يهاجر بحثا عن راتب مجزئ يكافئ سنوات التعلم الطويلة.
الانتماء للوطن خلق جيد، ولكنه عامل لا يكفي لإقناع من أفنى سنوات طويلة من العمر ليعيش على راتب متدنٍّ، أو على ٥٠٪ من الراتب المستحق. الطبيب يبحث عن مستوى معيشي يليق بمنزلته بصفته طبيبًا، وهذا حق من حقوقه الاجتماعية الطبيعية. واقع الحصار من ناحية أخرى لا يساعد الجهات المسئولة في غزة على تحسين رواتب الأطباء، أو تمييزهم في سلم الرواتب، ومن ثمة فإن هذا المأزق ربما دفع بعضهم للهجرة كرها. ومن ثمة قد يكون هذا عاملًا من عوامل دوافع شكوى المريض وذويه حين يكون ثمة مشكلة في التشخيص، أو مشكلة في توافر الأجهزة الحديثة، كما تقدم آنفًا. ومع ذلك لا تخلو شكايات الناس من مبالغات.
إن هذه القضية التي يقاربها المقال أطرحها على جهات الاختصاص والجهات المسئولة للنظر فيها وإجراء نقاش واسع حولها، والبحث عن حلول معقولة ومقبولة، ومن هذه الحلول التي سمعتها في بعض المناقشات تقول: لماذا لا يدفع للطبيب راتبا كاملا شهريا بدلا من ٥٠٪ أو ٦٠٪ فلربما ساعد هذا الحل على استقرار المتخصصين وذوي الخبرة على البقاء في البلد، وخدمة مرضى القطاع، لأن تكلفة العلاج في الخارج كبيرة لا يطيقها المريض وذووه، ومشكلات السفر والمعابر تزيد المريض مرضا وهما! الموضوع مطروح للنقاش المسئول، اللهم عافِ مرضانا ومرضى المسلمين، وثبت أطباءنا الخبراء في أرض الرباط يا حكيم.