فلسطين أون لاين

هلال رمضان.. حفاوة واحتفال

...
إعداد/ هدى الدلو:

كان ولا يزال المسلمون يعنون برؤية هلال شهر رمضان عناية فائقة ويحتفلون بليلة الرؤية أيما احتفاء، ولم تكن تلك الحفاوة مقصورة على المسلمين فقط، بل كان الخلفاء والأمراء في طليعة المهتمين باعتلاء الأماكن العالية برفقة القضاة والشهود العدول لرؤية الهلال.

وحافظت الأقطار الإسلامية المختلفة على تقليد بعينه في ليلة الرؤية، ألا وهو الاستزادة من إنارة المساجد عند رؤية الهلال، فتعلق المصابيح بأعالي المآذن وعلى واجهتها ابتهاجًا بقدوم الشهر.

ففي الحرم المكي كانت المشاعل والشموع توضع في كل الأرجاء حتى يتلألأ الحرم نورًا.

وفي عهد الخليفة العباسي المأمون كان يحض الناس على الاستكثار من المصابيح في شهر رمضان، مع تعريفهم ما لذلك من فضل، لكون فيه إضاءة للمتهجدين، وتنزيهًا لبيوت الله من وحشة الظلمة.

وعن وقائع الاحتفال برؤية الهلال فهي تبدو متشابهة في أغلب الأقطار الإسلامية، إذ كان القاضي يصحبه الشهود والأعيان والمشايخ يتجهون إلى الأماكن المرتفعة العالية لاستطلاع الهلال في موكب حافل، ويظل الناس في الطرقات ينتظرون عودة هذا الموكب لتتعالى صيحات الفرح ومظاهر الاحتفاء به إذا ما ثبتت رؤية هلال رمضان.

وقد احتفظت المصادر التاريخية بمعلومات تفصيلية عن تطور مظاهر الاحتفال برؤية الهلال في مصر، التي تعد من الأقطار الإسلامية القليلة التي عرفت في احتفالها بليلة الرؤية أطوارًا عدة، نظرًا لتقلب الدول المختلفة على حكمها من أمويين وعباسيين وفاطميين ثم أسر كردية وتركية كالأيوبيين والمماليك والعثمانيين.

ويعد القاضي أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الذي ولي قضاء مصر سنة 155 هجرية أول قاضٍ يحضر لنظر الهلال في شهر رمضان، وكان القضاة في العصر العباسي يخرجون مع الناس لرؤية الهلال في رجب وشعبان ورمضان.

وبلغ اهتمام الفاطميين بإنارة المساجد في رمضان حدًّا لجأ معه الحاكم بأمر الله إلى صياغة تنور هائل من الفضة الخالصة لإضاءة محراب الأزهر في ليالي رمضان، فكان يخرج الخليفة وحرسه ورجال دولته بأزيائهم الزاهية الألوان في موكب ترتج له القاهرة إعلانًا لحلول شهر الصوم، ويقدم الطعام والحلوى.

في العصر المملوكي كان السلطان يجلس في مستهل الشهر بالميدان تحت قلعة الجبل لاستعراض أحمال الدقيق والخبز، والسكر والغنم والأبقار المخصصة لصدقات رمضان، بعد أن يكون محتسب القاهرة قد عرضها في الشوارع الرئيسة.

أما في العصر العثماني فكان القضاة يخرجون عند ثبوت الرؤية في موكب شعبي تشارك فيه طوائف الحرف، وكل طائفة ترتدي ملابسها المميزة ويحملون بأيديهم نماذج من منتجاتهم، ويخرج جنود الانكشارية المسؤولون عن أمن العاصمة إلى الشوارع والأزقة وهم يصيحون: "يا أمة خير الأنام.. بكرة من شهر رمضان.. صيام.. صيام"، وفي حال عدم ثبوت الرؤية كان النداء يتغير إلى: "غدًا متمم لشهر شعبان.. فطار.. فطار".

وفي عصر محمد علي على مشارف القرن العشرين استمرت حفلات طوائف الشعب تشارك في احتفالات استطلاع هلال رمضان، بعدما انتقل إثبات الهلال إلى المحكمة الشرعية، فيخرج موكب من محافظة مصر إلى المحكمة الشرعية، يتقدمه الجنود بطبولهم، حتى إذا ثبتت رؤية الهلال تطلق الصواريخ والألعاب النارية والمدافع وتضاء المآذن، ثم يمر موكب الرؤية في أنحاء القاهرة معلنًا الصيام.

ويشترك في الموكب مشايخ الحرف المختلفة ليظهر كل واحد منهم صنعته، والشعب عن بكرة أبيه يخرج لمشاهدة هذا الموكب، الذي تحول فيما بعد إلى عمل رسمي يقوده الجنود.

من كتاب "رمضان زمان" تأليف د. أحمد الصاوي.