إذا رأيت الظالم مستمرًا في ظلمه فاعرف ان نهايته محتومة، وإذا رأيت المظلوم مستمرًا في مقاومته فاعرف ان انتصاره محتوم. علي بن أبي طالب.
تجمدت الكلمات كما تجمدت الدموع بينما كنت اشاهد والدة الشهيد امير اللداوي الذي سقط شهيدا على ايدي أجهزة امن السلطة. “هؤلاء مش بني ادمين، هؤلاء وحوش، بهجموا عالناس هجوم عسكري.. وحوش.. والله اليهود ما بتعمل هيك”.
هذه كانت كلمات الام المكلوم التي جفت الدموع من عيونها. ربما لا تزال غير واعية معنى الفقدان الذي المّ بها. امير شاب بعمر الورود ربما لم تفرح امه به. كُلمت بوليدها. كما ام نزار وابناؤه وزوجته.
اين العالم مما يجري بنا؟ من يحمينا من وحشية هذا النظام البوليسي الغاشم. وكأن كل ما قام به الاحتلال من أفعال لم تعد تقاس وحشيته بما نراه منذ ان تم اخراس الشارع وتهديده وقمعه واعتقاله وترويعه في أعقاب مقتل نزار بنات.
صار القتل هو الاعتيادي. لا يحتاج هؤلاء لظلمات الليل ليقتلوا ويعربدوا ويؤذوا. لا يأبهون لكاميرات، ولا لشهود، ولا لمقال، ولا لأحد.
من يحمي هذا الشعب من نظامه الظالم؟
كيف يصدق العالم مطالبة هذه السلطة بحماية الشعب من المستوطنين، على حين تستفرد هي بالشعب؟
كيف وصلوا إلى هنا؟
كيف يستطيع الفلسطيني ان يمد يده وسلاحه على الفلسطيني؟
متى صار هذا التساؤل عاديا بديهيّ الجواب؟
كيف اوصلونا إلى هنا؟
من المستحيل ان يستمر هذا الحال إلى وقت أكثر. فلن يبقى شعب يقتلونه إن استمروا أكثر.
لم تعد مشاعرنا تحتمل ما نراه يوميا من اعتداءات وحشية وقتل يقوم به الامن الفلسطيني ضد أبناء هذا الشعب.
لم نعد نفرق ولا نصدق ان ما نراه من اجرام هو فلسطيني. فلم نعد نميز بين الجندي الإسرائيلي وعناصر الامن الفلسطيني. فما يحدث قتل مع سبق الإصرار والترصد. وكأن هؤلاء منتشرون مع أوامر “اقتل ولا ترحم”.
ما جرى في برقة قبل أيام من اجتياح من قبل جيش الاحتلال وقوات الامن الفلسطيني في نفس اللحظات أودى بما ابقته ممارسات السلطة هذه من عقولنا.
كيف يعمى الفلسطيني ببصره وضميره ويده وينكل بأخيه الفلسطيني؟
هذه السلطة المتسلطة لن تدوم. مستحيل ان تستمر هكذا. فمن طال تعدّيه كثرت أعاديه.
الا يستوعب هؤلاء ان بيت الظالم خراب؟
الا يخافون من دعوات ام مكلوم؟ فيوم المظلوم على الظالم أشد وطأة من يوم الظالم على المظلوم (علي بن أبي طالب).
ربما، يؤكد اجتماع العالول وأجهزة الامن في نابلس بغياب وزير الداخلية رئيس الوزراء اننا انتهينا تماما من مرحلة الدولة ودخلنا بمرحلة الإقليم الفعلية.
عندما مشى رئيس الوزراء اشتية وسط اعلام فتح بعد يومين من توليه الحكومة في رام الله بعد “عدم خسارة” فتح بانتخابات جامعة بيرزيت (٢٠١٨)، كان هذا نذير انتهاء ما تبقى من امل ببناء دولة. لم ننتبه إلى ذلك وصفقنا مرحبين برئيس حكومة خلصنا من رئيس حكومة سابق كان قد بدأ بالاستحواذ وقمع الحريات. فكانت شعارات الدكتور اشتية الأولى التي تعهد بها ”لن يسجن انسان على خلفية رأيه”. وصدق.. لأن في زمنه صار الانسان يقتل على خلفية رأيه.
عندما اوعز لشباب الإقليم بتولي امن المناطق بداية الكورونا، كان يجب ان نتأكد ان المصيبة القادمة أكبر من الوباء المتفشي. وهذا ما نعيشه اليوم.
ربما يصدق كذلك رئيس السلطة بوعده بحل السلطة بعد السنة التي هدد بها، فما يجري هو استعدادات وتحضيرات لمرحلة ما بعد السلطة. مرحلة سطوة الفصائل، وعلى أصحاب فتح كل في اقليمه الاستعداد للسيطرة القادمة. ما هو قادم حرب أهلية يكون ضحيتها الشعب، اسيادها الفصائل والجماعات المسلحة المتقاتلة.
ما يحدث يشبه كل ما جرى في التاريخ من احداث سابقة. تتغير الدول والناس، وتدور ساعة الزمن، ولكن غضب الشعوب لا يتغير عندما يثور.
نهاية هذه السلطة سيكون مثل نهاية “نبلاء” فرنسا زمن الثورة الفرنسية في رواية قصة مدينتين. كم من مدام دي فارج سيخرج من هذا القعر المليء بالظلم ضد الشعب؟
فبينما نعيش واقع “البؤساء” الآن، فهؤلاء ليسوا نبلاء، مجرد اغنياء فرصة اعطتهم إياها السلطة. لا يمكن لهذا الظلم ان يستمر.
وقد تكون كلمات الله في سورة النمل أكبر تأكيد. اذ قال تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٤٨) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢)}.
كنا نأمل زوال الاحتلال، ليكون مصيرنا اقل مأساوية. فلا أبشع ولا أقسى من ان ينتهي الانسان على يد أخيه. فشهيدنا كان يرتقي عندما تطاله يد قتل الاحتلال، ويسقط عندما تقتله يد شقيقه الفلسطيني. فكيف يرتقي الشهيد وقد زهقَ روحَه من أمّنَه على حياته؟