من أي اتجاه أحاول البدء، أجد نفسي في المكان الذي بدأت منه في كل مرة. فهل نقول إنّ السلطة تتهاوى؟ تتلاشى؟ تضمحل؟ تنهار؟ وهل نؤكد ان ما يجري لا يمكن له الاستمرار؟ فالبركان الموشك على الانفجار تثور ثائرته ولن يكون بالإمكان خمده إذا ما ثار. كل العوامل تؤكد ان الثورة قادمة. تفجرها سيكون لأي سبب وفي أي لحظة قريبة لأن الأسباب كثيرة ومتلاحقة.
عند الشعور بالإحباط من استمرار الحال الذي يكاد يحللنا ويبخرنا بينما نعيش في تحليلات وتخمينات وتمنيات، تبقى امامنا فرصة للتحلل مما يجري. للحظة سلّمت بأنهم يستطيعون الاستمرار فيما يقومون به، فلم يبق من هذه السلطة المتسلطة علينا الا التسلط على انفارها. يتقاسمون السلطة واموال الشعب وحقوقه ويستنفذون البشر والحجر ويسخّرون كل ما يمكن تسخيره لمصالحهم الخاصة. يغيرون قوانين ويستنفرون الأمن. جعلوا من الأخ يعادي اخاه، والجار يقتل جاره، والفقير يزداد عدمًا، والمستور يتكشّف حاله، والغني يزداد غنى ويزاحم من اجل بقاء امتيازاته وسط هذه الزمرة التي تأكل كل ما تطاله بطونها الجشعة. غسيل الأموال من كل اتجاه وفقر وعدم في كل الأرجاء.
لتكن لهم… ليحكموا ويتحكموا ويتسلطوا. ليتسابقوا على استرضاء إسرائيل وغيرها من أولياء امرهم في كل شاردة وواردة. فما يجري لم يعد يعنينا كشعب. يستطيعون الاستمرار في المحافظة على الوضع القائم إلى ان تتلاشى قيمتهم لدى اولي الامر. تصغر الدائرة التي تخص سلطتهم لتنحصر فيهم فقط، والشعب ينزح بعيدا. يسكت ويصمت على غش مضمر. على خنوع مفروض مؤقتا. فهؤلاء لا يمثلون الا أنفسهم.
سيأتي يوم لا محال…. سيكون الحساب عسيرا. فكلما زاد البطش وكبر الظلم عظم الغضب ويا ويلهم من غضب المظلومين عندما يتفجر.
فكم مرة سيستطيعون ترهيب الشارع وترويعه؟ كم نزارًا سيقتلون؟ كم شابًّا وشابة سيسحلون في الشارع ويهددون؟ كم مرة سيتدخل الاحتلال لإنقاذهم وحفظ وجودهم؟
من بيتا إلى بيرزيت.
من الخليل إلى جنين.
من هدم بيت إلى تجريف أرضٍ في القدس وسائر الضفة.
من اعتقالات شبان من الجهتين لم نعد نميز الأسوأ. يخرج الأسير من المعتقلات الإسرائيلية ليزجَّ به في معتقلات السلطة.
فساد اداري في كل اتجاه. وزارة الصحة تعمل وكيلا لنهب المتبقي من السوق لمصلحة أصحاب رأس المال شركاء السلطة، ووزارة التعليم كدمية في يد كل متسلط: اغلق وافتح على حسب مزاج السلطان. والجامعات حدث ولا حرج. جامعة مغلقة بأمر الطلاب حتى اشعار اخر، وجامعة تحميها التنظيمات، وجامعة على مهب الريح إلى ان تأتي الطوشة التالية. وزارة الخارجية مرتع ومنتجع للأبناء والاصهار والاخوة والاخوات والابناء والبنات والاعمام والخالات. القضاء والقانون والتشريعات بمراسيم الرئيس: يبدل، يغير، يزيد، ينقص، بحسيب أو رقيب، مش شايف حدا. الاستثمارات يتسابق عليها أصحاب السلطة والسلطان. الوظائف الحكومية تعَد وتنَسق وتشكل لأبنائهم، ترتفع الأسعار، يزيد السلاح، يغيب الامن الا من رجل مدجج بالسلاح. حكومة فاسدة رئيسها يلقّبه الشعب بمسيلمة ووزراء شهود زور يدوسون على كرامتهم من اجل البقاء على كراسيهم.
ما يجري هو عزلة حقيقية لهم، أولئك المتمركزون في صناعة القرار وأولئك الذين ينفذون الأوامر على شكل حكومة وأولئك المتنفذون من الرأسماليين يساندون السلطة للمحافظة على مصالحهم وزيادة ثرواتهم.
المسرحية التي يقومون بتمثيلها باتوا يعتلون فيها خشبة المسرح بلا جمهور. اجتماع المجلس المركزي مشهد اخر في فصول هذه المسرحية العبثية. يستطيعون ان يشهّدوا أنفسهم زورا، ولكننا ابدا لن نكون شهاد الزور في عبثهم.
أفكر بينما انظر إلى ما يحصل بعبثية اليائس. الشارع يغلي. الجميع يتذمر وينتقد وسئم كل ما يجري. احباط من قيادة تختال بولاء نفرٍ قليل من المنتفعين من الوضع القائم. واستياء من حكومة استعراضية واجتماعات اسبوعية. وازدراء من نخبة رأس المالية والأكاديمية من شهاد الزور. وقرف من اشباه الأحزاب التي لم تعد سوى ظواهر صوتية بدون صدى.
لماذا يغيب أي حراك مقاوم مناهض لهذه الزمرة التي تستفرد بكل شيء ضاربة عرض الحائط بكل شيء لم تعد تمثل الا أصحابها الذين لن يتوانى معظمهم من الهرب والانفكاك عنها عندما تحين لحظة الخطر التي يبدو انهم لا يرون انها قادمة لا محال؟
لماذا لا يظهر عاقل قائد في هذا الوطن ليقول كفى؟ لماذا لا تتجمع الجهود لنشكل جسما يمثلنا؟ فاذا ما كانت هذه هي منظمة التحرير، فهي لم تعد تمثل الا من يجلسون على مقاعدها من انفار.
لماذا لا يجتمع العقلاء من هذا الشعب لينظموا أنفسهم على غرار ما كان منظمة تحرير؟
منذ أعوام وتعلو الأصوات من اجل اصلاح المنظمة وما يجري اليوم يؤكد انه لا يمكن اصلاح خيمة حبالها بالية، لا بل لم يعد لها اوتاد، فقط بعض العصي المتسوسة.
الم يحن الوقت لكي تجتمع الجهود بصورة جدية ويبادر اصحاب رأي أو موقف أو مكانة إلى تجميع شتاتنا الداخلي والخارجي في كيان فلسطيني جامع؟
اين ذهبت القيادات والاسماء التي علت شعاراتها عند الانتخابات؟ اين القيادات المتمركزة الأخرى مما يجري؟ هل ينتظر الجميع لحظة “الموت” للانقضاض على السلطة ونعيش حمام دم نروي به ظمأ الاستيطان فيما تبقى من ارض.
لماذا لا تتوحد الجهود لمواجهة ما يجري؟
لماذا ننتظر لحظة ستأتينا بما اتتنا لحظة سابقة أتت بهؤلاء وسلطتهم علينا؟
لماذا لا نرفع الصوت الان وندعو لتوحيد بيتنا لكل من لا يرضى ولا يقبل ما يجري لنا؟ كفانا انتظار من يموت لننتقم لأنفسنا.
كفانا انتظار من يأتي ليحررنا. كفانا انتظار من يحل قضيتنا. لم يبق منا الا بعض الحب لفكرة ما زلنا نسميها وطن. لماذا لا نستطيع ان نتجمع من اجل بناء جسمنا الفلسطيني بمن لا يزال يؤمن ان فلسطين التي حلمناها، فلسطين التي نتمناها. فلسطين التي تليق بتضحيات شعبنا تهان وتسلب وتستباح يوميا باسمنا. نحن شركاء في سكوتنا عن هذا التسلط الذي لم نعد نقو على مواجهته. هذا التسلط الذي لم يعد يعنينا ان نواجهه.
أي هوان هذا الذي نعيشه؟
كيف هان الوطن علينا هكذا؟ اهنّاه في سكوتنا على الفساد والفلتان والظلم وغياب العدل والعدالة، في أهاننا.