أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليمات متساهلة لجنوده بشأن فتح النار، والضغط على الزناد في استهداف للشبان الفلسطينيين من ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة في الضفة الغربية المحتلة، حتى بعد الانتهاء من عملية إلقاء الحجارة، وفي أثناء انسحاب الشبان من المكان، وقد صدرت التعليمات الجديدة في الأسابيع الأخيرة، وتم تعميمها في وثيقة مكتوبة على عناصر الجيش، وتنص على "وجوب إطلاق النار في منطقة القتال"، أي بعد الواقعة مباشرة.
مع العلم أن قائد جيش الاحتلال أفيف كوخافي صدَّق الشهر الماضي على تغييرات في تعليمات إطلاق النار، في خطوة يمكن وصفها بأنها "دراماتيكية"، لأنها تفسح المجال أمام ارتقاء المزيد من الشهداء الفلسطينيين وإصابة العشرات الآخرين، على الرغم من أن أوساط الاحتلال في المستويين السياسي والعسكري، رحبت بهذه التعليمات الجديدة، بزعم أنها ستسمح للجنود بالدفاع عن أنفسهم" من الهجمات الفلسطينية.
بعيدا عن محاولات جيش الاحتلال "شرعنة" هذه القرارات، ومحاولة إعطائها غطاء قانونيا، لكنها لا تغير حقيقة أنها تعني على أرض الواقع تنفيذ إعدامات ميدانية، وفي وضح النهار، ولكن هذه المرة بتوجه رسمي متفق عليه في الأطر الرسمية داخل دولة الاحتلال، وبالتالي فلن يكون الجندي القاتل قلقا من إمكانية تعرضه لمحاكمة عسكرية، أو وقوعه تحت سطوة العقوبات الداخلية في الجيش، بل قد يحظى بالإشادة، والحصول على وسام الترقية، لأنه نفذ تعليمات قادته، بقتل كل متحرك من الفلسطينيين، إذا ظن، مجرد ظن، أنه قد يمثل خطرا على حياته.
صحيح أن هذه القرارات الإسرائيلية تتزامن مع تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبشقيها، المسلحة والشعبية، ولا سيما الأخيرة منها، التي حولت الطرق التي يسلكها المستوطنون وجنود الاحتلال إلى جحيم لا يطاق، لكن ذلك لا يعطي جيش الاحتلال أي تبرير أو تسويغ لانتهاج مثل هذه التعليمات الجديدة، لأنها تسعى بالأساس، فضلا عن حماية المستوطنين والجنود من عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة، فإنها تهدف إلى بث حالة من الخوف والجزع في قلوب ونفوس الشبان والفتيان الفلسطينيين، العزل من كل سلاح، سوى قبضات أيديهم وأذرعهم، دون حمل أي بندقية أو قنبلة.
من الواضح أن مثل هذه القرارات الإسرائيلية تندرج ضمن ملفات جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، لأنها تعني بالدرجة الأولى خرقا فاضحا لكل مواثيق الصراعات والحروب، رغم أن قوات الاحتلال لا تخوض حربا نظامية ضد المدنيين الفلسطينيين، وبالتالي فلا تنطبق عليها قوانين الحرب، فكيف لو أننا أمام عدوان واحتلال غاشمين، متحللين من أي قوانين ومواثيق وأنظمة، وفي هذه الحالة لا ينطبق على قوات احتلال سوى أنها عصابات من قطاع الطرق، تحرق الأخضر واليابس، وتقتل الحجر والشجر والبشر، لكنها هذه المرة بقرار رسمي وغطاء قانوني!