مع اشتداد حمأة المناورات العسكرية لجيش الاحتلال في الآونة الأخيرة، يزداد النقاش الإسرائيلي بشأن طبيعة الحرب المتوقعة القادمة بين دولة الاحتلال وأعدائها، مع تناول عدد من المحاور، أهمها: الحروب محدودة المدى، والحروب النظامية، واللقاء في ساحة المعركة، والحرب التقابلية، والحروب المستقبلية.
مع العلم أن هذه النقاشات الإسرائيلية ذات الصبغة العسكرية تتخللها رؤية نقدية تقييمية لإدارة الحروب الأخيرة على غزة، من خلال تشخيص الأخطاء التي وقع بها الجيش، ومن يسمون "واضعي النظرية العسكرية"، سواء عبر الإدارة الميدانية للقتال مع عناصر المقاومة الفلسطينية، أو وضع الأهداف المسبقة للحرب التي لم يتحقق أي منها.
هناك عدد من الحروب التي خاضتها إسرائيل تنقض العديد من النظريات العسكرية، في ظل تعميم صيغة حروب الاستنزاف ضد قوى المقاومة والعمل المسلح في أكثر من جبهة عسكرية ساخنة، وفي الوقت ذاته، فإن هناك معايير أخرى لم تكن مدرجة على قائمة الأهداف المعلنة للحروب التي خاضتها إسرائيل، وقد تخوضها لاحقا، من أهمها أن الحرب ليست بالضرورة تلك التي يتم حصاد نتائجها وأهدافها من خلال ميدان المعركة فقط، وإنما من خلال وسائل وأساليب أخرى، وفي ميادين مختلفة.
يمكن الإشارة هنا إلى إخفاق إسرائيلي لا تخطئه العين في معوم الحروب السابقة، ويتمثل في دخولها حالة حرب استنزاف، أو الفشل بتجنيد "حملة دولية" لصالح حروبها، بغرض الوصول في النهاية إلى حل سياسي يتوج الحرب العسكرية، مع العلم أن من الخيارات الأخرى التي قد تكون متاحة أمام إسرائيل مستقبلا: توجيه النار بصورة مكثفة ومتواصلة دون توقف نحو قوات العدو، والوصول لحالة من الشلل في حرية حركتها، لمنعها من مواصلة القتال.
أكثر من ذلك، فمن الخيارات المستقبلية في حروب إسرائيل العمل على ممارسة أكبر قدر من الضغوط والتأثيرات على المستوى السياسي لدى قيادة العدو، وصولا لاستهداف الرأي العام الشعبي لدى ساحته لحرمان مقاتليه من الغطاء الجماهيري والتضامن الشعبي معه، وهو ما تسميه المقاومة الفلسطينية في غزة "الحاضنة الشعبية".
صحيح أن العدوانات الكلاسيكية التقليدية التي خاضتها إسرائيل خلال العقود الماضية، كان يفترض بها أن تخوضها حتى النهاية، أو ما قبل النهاية بقليل، ليتبين لها طبيعة الحل السياسي المتوقع لهذه الحرب، خاصة في ضوء "التفوق التكنولوجي" للجيش الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته يفشل بتوظيفه في ميدان المعركة، وفي المقابل، فإن قدرة العدو، أياً كان، نظاميا أو منظمات، تزداد على اقتناص الفرص الميدانية القاتلة لتوجيه الضربة المؤلمة لعناصر الجيش الإسرائيلي، بدليل قدرة المقاومة الفلسطينية خلال الحروب الأخيرة على "دك" المواقع الإسرائيلية، وإمطارها بوابل من القذائف الصاروخية.