لعل ما قامت به إدارة سجون الاحتلال قبل عدة أيام من نقل لثلاث أسيرات فلسطينيات إلى العزل الانفرادي، المقدسية مرح باكير إلى عزل سجن الجلمة، والمقدسية شروق دويات إلى عزل سجن جلبوع، ومنى قعدان من جنين إلى عزل سجن الجلة؛ هو ما يضع قضية الأسيرات الفلسطينيات في واجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي. فقد تعرضت 16 ألف فلسطينية للاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعضهن قاصرات. تعرضن لكل أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، بالضرب والسحل والإهانات اللفظية والتنمر من قبل المحققين رجالاً ونساء دون أي اعتبار لحقوقهن وخصوصيتهن كنساء بحسب القوانين الدولية أو حتى الأعراف الإنسانية.
إن اعتقال النساء الفلسطينيات وصل إلى ذروته خلال الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة 1987) حيث تعرضت 3000 فلسطينية للاعتقال، وخلال انتفاضة الأقصى 2000 تعرضت 900 فلسطينية للاعتقال. وفي العديد من المحطات الثورية للشعب الفلسطيني كان للمرأة الفلسطينية نصيب من الاعتقال منها خلال معركة البوابات بين يوليو وأكتوبر 2017 تعرضت 370 فلسطينية للاعتقال، وخلال 2019 بلغ عدد الأسيرات 110، وفي عام 2020 تعرضت 128 فلسطينية للاعتقال. وحتى كتابة هذا المقال فإن 32 أسيرة فلسطينية لا يزلن داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
كل هؤلاء الأسيرات اعتقلتهن قوات الاحتلال بتهم تتعلق بالمقاومة سواء بشكل مباشر أو لتقديمهن خدمات دعم وإسناد للمقاومة الفلسطينية. وهذا يعكس الدور الريادي للمرأة الفلسطينية على طول المسار الثوري، أسوة بأبنائهن وأزواجهن وإخوانهن.
ما العزل الانفرادي؟
ولمن لا يعرف ما تعنيه غرفة العزل، فهذا وصفها من شهادات الأسيرات أنفسهن. غرفة العزل صغيرة بحيث لا تتسع إلاّ إلى سرير وضيع "برش" تنام عليه الأسيرة، ومساحة حوله لا تتعدى 30 سم فقط لا تحتوي على حمام عادةً، وإن كانت الأسيرة "محظوظة" يكون في الغرفة حمام. ورغم صغر حجمها فإنها مراقبة بالكاميرات، شديدة الإضاءة، فلا تسمح للأسيرة بالنوم ليلاً أو نهاراً، مع استمرار جولات التفتيش والمنع من النوم أو حتى الاستقرار في تلك الغرفة المطلية باللون الرمادي أو الأسود، الخشنة الملمس لدرجة أن تؤذي جسد الأسيرة حين تستند إليها. يضاف إلى كل ذلك المزاجية في تعامل السجانين في إدخال الطعام أو الشراب أو الملابس أو ما تتطلبه خصوصية أي امرأة.
لقد خصصت سلطات الاحتلال سجن الدامون للأسيرات الفلسطينيات، وهو الذي كان مخصصاً لتخزين الدخان زمن الانتداب البريطاني، وهذا يجعله من السوء لدرجة أن اهتراء جدرانه وبنائه يجعل غرفه باردة جداً في الشتاء وحارة جداً في الصيف. وحتى في ظل جائحة كورونا، فإن إدارة السجون الصهيونية قد تجاهلت المطالبات بتوفير الاحتياجات لمواجهة الفيروس، بل منعت السجينات كما السجناء في كل السجون من شراء مواد التنظيف من أموالهم الخاصة.
إن هذه المعاناة هي ما دفع الأسير يوسف المبحوح لتنفيذ عملية طعن لسجان إسرائيلي في سجن نفحة مساء الاثنين 20 ديسمبر 2021، انتصاراً لقضية الأسيرات اللاتي تعرضن للعزل والتنكيل، في تأكيد وحدة الحال في مواجهة إرهاب السجان الإسرائيلي.
إن معاناة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال يجب أن تحفز فينا جميعاً مفاعيل الثورة في وجه الاحتلال ومقاومته، وعلى الجميع أن يجعل من أولوياته نصرتهن بما يمثلن من تضحية في سبيل حرية الوطن. وهنا يتجلى دور المقاومة الفلسطينية التي استطاعت خلال صفقة وفاء الأحرار عام 2011 من تحرير عدد من الأسيرات ذوات المحكوميات العالية، وقد سبق ذلك إجبار الاحتلال على إطلاق 19 أسيرة فلسطينية في مقابل مقطع فيديو قصير يثبت أن الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" بصحة جيدة. والثقة بالمقاومة الفلسطينية أنها لا تدخر جهداً من أجل تحرير الأسرى والأسيرات، أعزة كراماً فهم عنوان الحرية ورموز التحرير.