مع تزايد قضايا الفساد في دولة الاحتلال، بين الرشوة والاحتيال، وسوء استغلال المنصب، والتحرش والاغتصاب، يزداد الحديث الإسرائيلي بصورة نقدية حادة عن حجم وطبيعة الفساد المستشري في الحياة السياسية، وأثرها في طبيعة النظام السياسي مستقبلاً، ولا سيما في ضوء تورط معظم الطبقة السياسية في قضايا فساد مالي وإداري وأخلاقي متعدد الجهات.
إن محاولة استقراء تبعات ونتائج ظاهرة الفساد السياسي في إسرائيل، يظهر تراجع وضعية الدولة بين نظيراتها من دول العالم الغربي، وأثره في حجم الامتيازات التي ستحرم منها، إذا بقي "بارومتر" الفساد في مؤسساتها آخذ في التزايد عاماً بعد عام.
مع العلم أن أخبار الفساد الجريئة، مثيرة للجدل عن حالة المجتمع الإسرائيلي، لأنها تكلف الدولة ثمناً باهظاً، ويدفع بالمرء لأن يطلق على الزعامة السياسية الحاكمة في إسرائيل اليوم بأنها "قيادة فاسدة"، وتسري كـ"القوارض" في روحها، من خلال قدرتها الفائقة على "تلويث" الجو، وتأثيرها السلبي في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، ما يقلل من صورتها في العالم، ويخرج بقناعة مفادها أن إسرائيل وصلت إلى مستوى من الفساد فقدت من خلاله "الفرامل" والكوابح اللازمة لإدارة الدولة.
تسعى هذه الدعوات الإسرائيلية للقول صراحة إنه قد حان الوقت الذي يجب فيه تجفيف المستنقع السياسي الذي تغرق فيه الحياة السياسية الإسرائيلية، الذي بات ذا رائحة كريهة، بعد اتضاح مدى استشراء ظاهرة الفساد السياسي، التي باتت تفوق خطر الانتفاضات الفلسطينية والمقاومة المسلحة، إلى الدرجة التي دفعت رئيس الكنيست السابق "أبراهام بورغ"، للقول صراحة إن "إسرائيل غدت دولة من المستوطنين تقودها زمرة من الفاسدين".
لا تتسع هذه السطور لسرد العدد الوافر من قضايا الفساد السياسي والإداري والمالي، التي عاشتها الأوساط الإسرائيلية، منذ سنوات طويلة، لكن المعطيات الماثلة تكشف أن إسرائيل دولة قائمة على نسبة فساد عالية، تأكيداً لتقرير للبنك الدولي؛ الذي اعتبر أن نسبة الفساد في مؤسساتها الرسمية فاقت النسبة المقبولة في الدول المتقدمة، ووصلت إلى 8.8%، على حين في الدول الغربية لا تزيد على 4.91%، ما وضعها في أسفل سلمها، وعلى رأس قائمة الدول الأكثر فساداً فيها، كما اعتبرها من الدول الأكثر خطورة، من حيث عدم تطبيق القانون والفلتان الاقتصادي، وترسب ظاهرة الفساد في المؤسسات الأهلية والحكومية والخاصة.
لعل التأثير الأكثر الأهمية لهذا المسلسل من الفساد والفضائح، يتمثل بما يمكن تسميته "تدهور القيم واضطراب الروح وأفولها" في إسرائيل، فهي تسير في الاتجاه غير الصحيح، وتنجر في الظلمة نحو هلاك محتمل، ليس بسبب أعدائها الخارجيين، وإنما "بسبب قياداتها، أو من يدعون القيادة، ممن يعيشون كل الوقت تحت علامة استفهام أخلاقية، والجمهور لا يثق بها!.