تداولت الأنباء الإسرائيلية في الأيام الأخيرة خبرًا مفاده تأسيس معهد أبحاث جديد تابع لجهاز الاستخبارات العسكرية-أمان، ويسمى "غازيت"، ويظهر مقره كشركة تكنولوجيا متطورة، ووظيفته الأساسية تمكين الهيئة الأمنية من الاستعداد لمعضلات معقدة، كسقوط أنظمة في دول مجاورة، وتحليل الأحداث الجارية في العراق وسوريا، في ضوء الإدراك بوجود أسئلة معقدة يصعب الرد عليها، ولذلك فإننا لسنا أمام معهد أكاديمي فقط، بل مؤسسة تعنى بالقدرات التحليلية للاستخبارات الإسرائيلية، تدرس مدى استقرار الدول المختلفة، وتأثيرها في أمن الاحتلال.
مع العلم أن موظفي المعهد حاصلون على تعليم عالٍ في مجالات مختلفة كالعلوم الدقيقة والاجتماعية، وقاسمهم المشترك المعرفة التكنولوجية، ومواجهة تهديدات القرن الـ٢١ بوسائل تكنولوجية، ما يشير إلى ما تحوزه التكنولوجيا في التفكير الاستخباري لدى الاحتلال، وظهور أثره في حجم التقدم النوعي الذي تكتسبه منظومة الاستخبارات الإسرائيلية.
يكتسب الخبر الإسرائيلي أهمية لافتة لعدة أسباب، لعل أهمها ازدياد اهتمام الجيش واستخباراته بالتعليم التكنولوجي، ومواكبته لآخر تطوراته لدى أجهزة مخابرات العالم، والإقبال الزائد من الإسرائيليين المنخرطين حديثًا في الخدمة العسكرية في الأقسام التكنولوجية والدوائر التقنية داخل الجيش وأجهزته الأمنية، لجسر الهوة الواسعة بين حجم الاحتياجات الزائد على القطاع التكنولوجي من جهة، ومن جهة أخرى حالة الاهتمام من قبل قيادة الجيش بهذا القطاع الحيوي والمهم.
بجانب ذلك، يأتي تأسيس هذا المعهد البحثي ذي الاهتمامات الإستراتيجية في وقت تنتشر فيه مصطلحات "الحروب التكنولوجية والمواجهات الرقمية"، التي سيتم الاستغناء فيها عن الجنود والمقاتلين بصورة كبيرة، والاستعاضة عنهم بأدوات "الهايتك والليزر والتحكم عن بعد"، وغيرها، ما يحمل توجهًا إسرائيليًّا واضحًا لدى صناع القرار بتحديث أنظمة التعليم التكنولوجي في المدارس والجامعات، ورفدها بصورة دورية بهيئة الصناعات العسكرية والتسليحية والأمنية التابعة للجيش الإسرائيلي.
مع العلم أن القطاع التكنولوجي يعد واحدًا من أهم وأخطر قطاعات التسلح والاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، سواء على صعيد الفعالية الإستراتيجية أو النوعية الهجومية للجيش أمام نظرائه من جيوش العالم، ولا سيما إذا علمنا أن نسبة الجنود المنخرطين فيه تصل إلى 15%، وهي نسبة متقدمة جدًّا.
كما أن الجيش الإسرائيلي، ومنذ عقود عديدة، يؤسس لعملياته القتالية ومواجهاته العسكرية على معطيات تكنولوجية وتقنية، وبالتالي يرى نفسه ملزمًا بتأهيل الشبان في مرحلة ما قبل الخدمة العسكرية في المجال التكنولوجي، ورفع مستواهم العلمي في المدارس والمعاهد العلمية من خلال أقسام ودوائر التعليم التكنولوجي في وزارة التعليم وغيرها من جهات الاختصاص، علما بأن المساقات الدراسية للتعليم التكنولوجي في (إسرائيل) تبلغ 18 مساقًا، أهمها: الهندسة الإلكترونية، والميكنة، والحاسوب، والطاقة.