صحيفة القدس العربي
حرية الرأي والتعبير نحترمها وننادي بها، لكن فيلم «أميرة» لا يدخل تحت هذه الخانة بأي شكل من الأشكال، فهو يدور حول سيناريو مختلق ملوث بأغراض خبيثة في محاولة لإثارة البلبلة، وإلقاء ظلال الشك حول أشرف وأنبل حالة نضالية فلسطينية وعربية مبتكرة في هذا الزمن الرديء، وهي النطف التي ينجح الأسرى الفلسطينيون في تسريبها وتهريبها من زنازينهم، رغم أنوف سجاني الاحتلال، وليس كما يحاول الفيلم إثباتها.
والفيلم محاولة بائسة وبائسة للتشكيك في نَسَب هؤلاء الأطفال الذي يطلق عليهم الفلسطينيون بفخر واعتزاز سفراء الحرية. الأخطر من ذلك أن هذا الفيلم المشكوك بمن يقف وراءه يقدم مجتمعا فلسطينيا هشا، عنيفا تجاه نفسه ومحيطه، وعنصريا وغير متسامح وهو أمر قاد الفتاة الصغيرة في الفيلم (ابنة الحارس الإسرائيلي) إلى الانتحار من أجل التطهر، في قالب مقاوم. إنه فيلم مشبوه من ألفه إلى يائه، وينضح خبثا وتزويرا وتشويها وتآمرا، وهو بعيد كل البعد عن البراءة التي يحاول أن يظهره بها القائمون عليه. وكما قال نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب: فإن الفيلم وفكرته والقائمين عليه ليسوا أبرياء بأي شكل من الأشكال، وإنهم بفيلمهم هذا إنما يحاولون وضع السم في العسل.
وإذا صدق المثل القائل إن «المكتوب يقرأ من عنوانه» فإن نظرة على قائمة الدول المنتجة والممولة لهذا الفيلم المشبوه تعطيك تصورا للغرض منه وأهدافه غير المعلنة دون لف أو دوران، وهو تلطيخ صورة النضال الفلسطيني في أطهر صوره وهي النطف المهربة، والدول المنتجة والممولة للفيلم، هي دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن، وعلى ذلك قس. هذا الفيلم ما هو جزء من الحرب الثقافية التي تشنها إسرائيل عبر دول التطبيع العربية ووسائل إعلامها في محاولة للتشكيك في الحق الفلسطيني، وتثبيت الحق اليهودي والدوس على الخطوط الحمر.. ولنا مع الدراما العربية حكايا، لا تنسى، مثل مسلسل «أم هارون» وغيره من مسلسلات رمضان الماضي، كان الغرض منها تثبيت الوجود اليهودي في المنطقة العربية، على حساب الحق الفلسطيني ودعم التطبيع. وقصة الفيلم المصورة أحداثه في الأردن، بالمختصر تدور حول فتاة اسمها «أميرة» ولدت عبر نطفة مهربة لوالدها القابع في سجن «مجدو» الإسرائيلي شمال فلسطين المحتلة.
وضمن أحداث الفيلم تقوم والدة هذه الفتاة بزيارة زوجها في السجن الذي يطلب منها في تلك الزيارة أن تنجب له طفلا جديدا، عن طريق «النطف المهربة».
في البداية تأبي الأم، لكن في النهاية ترضخ لطلبه، وبعد نجاح تهريب النطف بعملية معقدة، حسب الطرق التي يتبعها الفلسطينيون، يفجر الفيلم مفاجأة حين يعلن الأطباء أن النطفة التي استلموها هي لشخص عقيم لا يمكنه الإنجاب، لتشك عائلة الزوج، ومعها البنت أميرة، أولاً في سلوك الأم، لتبدأ بعدها عملية مطابقة البصمة الوراثية مع جميع المحيطين بالزوجة، لكن من دون جدوى، ليكتشف في النهاية أن النطفة التي أنجبت الطفلة أميرة، كانت لضابط مخابرات إسرائيلي، قام باستبدال العينة قبل أن يتم تسليمها للعائلة.
أحدث الفيلم ضجة كبيرة، كونه تجاهل تلك الحالة النضالية، التي عمل الأسرى من ذوي المحكوميات العالية، على إنجازها بتكتيكات فاقت قدرات المخابرات الإسرائيلية على كشفها، ووضعها بشكل مسيء للأسرى والتشكيك في نَسَب أبنائهم الأطفال، الذين يطلق عليهم مصطلح «سفراء الحرية».
هذا الفيلم يشوه الحالة النضالية الفلسطينية ويسلب منها رمزيتها، ليمنحها لضابط إسرائيلي وصف بأنه المسؤول عن تهريب النطف، وكأن عمليات تسريب النطف تتم بموافقة ورضى سلطات سجون الاحتلال والتنسيق معها، ما يفقدها رمزيتها، وليس كما يقول الفلسطينيون إنها تمر في عملية معقدة لتصل إلى أصحابها المعنيين رغم أنف السجان الاحتلالي.
وبناء على ذلك فإن أزمة فيلم «أميرة» لن تنتهي بتراجع مخرجه المصري محمد ذياب تحت الضغوط والغضب الفلسطيني والأردني، عن عرضه، ومطالبته بتأسيس «لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدته ومناقشته».
ولا تنتهي أزمة الفيلم بالتبريرات التي ساقتها الهيئة الأردنية الملكية للأفلام، وسواء كان فيلما ثقافيا أو فيلما من نسج خيال المشرفين عليه، فقد أثار جدلا واسعا وغضبا فلسطينيا وعربيا عارما لانه لمس إنجازا نضاليا فلسطينيا يعتبر مفخرة فريدة.
قصة الفيلم، كما اسلفنا، تشكك في أشرف وانبل وأطهر حالة نضالية فلسطينية مبتكرة كما الكثير من الوسائل التي ابتكرها الفلسطينيون، لمواجهة الاحتلال، ومنها وليس أقلها البالونات المتفجرة، والإرباك الليلي للمستوطنات في قطاع غزة، وبلدة بيتا في شمال الضفة الغربية.
جاء فيلم «أميرة» ليثير الشكوك حول هذه الظاهرة المنفردة للأسرى الفلسطينيين من ذوي المحكوميات العالية والمؤبدات المتعددة، التي تضفي على حياتهم نكهة وتزودهم بوسائل الصمود ومواجهة عذابات السجون، وتعطيهم سببا للحياة والأمل لتبقى أسماءهم محفورة وحية بوجود أطفالهم الذي نجحوا في إنجابهم عبر النطف المهربة ليكونوا سفراء للحرية ويكملوا المشوار من بعدهم.
جاء هذا الفيلم ليشكك في نَسَب أكثر من مئة طفل ولدوا عبر النطف المهربة، وآخرهم توأمان ولدا لأم من قطاع غزة قبل أيام معدودة.
جاء هذا الفيلم ليعطي الانطباع بأن هذا الإبداع الفلسطيني، إنما يتم تحت إشراف وموافقة السجان الإسرائيلي. جاء هذا الفيلم بأحداثه ليخدم دولة الاحتلال على حساب الأسير الفلسطيني.
وبعدما خضع القائمون على الفيلم من مخرج ومنتج وكاتب سيناريو وطاقم الفيلم بمجمله، وتم سحبه من دور العرض ومن سباق الأوسكار، فإن الخطوة التالية تتمثل بمحاسبتهم جميعا، لمعرفة الأيدي الخفية التي تقف وراء عملهم الخبيث، وكشف الحقائق أمام الجمهور العربي، ووضع أسمائهم جميعا من كاتب السيناريو مرورا بالمخرج وصولا إلى المنتج والأيدي التي تديرهم على رأس قائمة العيب.
فيلم «أميرة» مهما كانت المبررات التي سيقت، يظل محاولة بائسة لإصابة النضال الفلسطيني في مقتل وأغراضه مفضوحة، فاختاروا التشكيك في الحالة النضالية التي اقتصرت على الفلسطينيين وحدهم ولا أحد غيرهم، ليس هناك تفسير آخر لهذا الفيلم سوى التشكيك بالرواية الفلسطينية، ما يقودنا إلى التساؤل كيف يمكن أن تجمع أربع دول عربية لإنتاج فيلم أقل ما يقال عنه إنه مدسوس ومشبوه.
أيا كانت التفسيرات والمبررات فإنه لا يمكن النظر إلى هذا العمل الفني الرديء والمدسوس، إلا بعين الشك وكذلك إلى منتجيه ومموليه والمروجين له، ومحاولة تسويقه عالميا وترشيحه لجائزة أوسكار.
ولنعمل معا لفضح هذه الأعمال المشبوهة التي قد لا تكون الأولى، لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة، وسيظل العدو يسعى لاختراقنا على جميع الجبهات عبر وسائل عربية، وهذا يحتم علينا أن نكون حذرين ومتيقظين لما يخططون له ويسعون لتحقيقه بنشر مثل هذه الأكاذيب.. والخزي والعار لمن فكر وخطط ونفذ وشارك في هذا العمل المشبوه المفضوح.