اهتم المجتمع الدولي بمحاربة ظاهرة الفساد، وفلسطين ليست مستثناة، فهي قانوناً تحارب الفساد، وتبذل لذلك العديد من الجهود للحد من هذه الظاهرة، حيث أسست هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية بموجب القرار بقانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن تعديل قانون الكسب غير المشروع رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته، وكذلك انضمت فلسطين إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2014 التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2015، واعتبرتها اتفاقا ملزما قانونيًا لمكافحة الفساد، وكذا انضمت إلى الإنتربول الدولي لاسترجاع الفارين من العدالة والأموال المنهوبة، ولكن السؤال المهم الذي ينتظر الإجابة عنه: هل قصدت السلطة الفلسطينية بذلك توفير الإجراء الشكلي والفني لضمان استمرار تلقي المساعدات والقروض من الدول المانحة أم كان ذلك بقصد إيجاد الحلول الفعلية لمحاربة الفساد؟! فمع المساعي الكبيرة لإيجاد نصوص قانونية من خلال عقد الندوات وورش العمل والمؤتمرات للوصول إلى تطبيق فاعل لمكافحة الفساد والحد منه، يبقى الأمر حبيس الأدراج، ولا يتعدى الخطابات دون الوصول إلى تطبيق نظام نزيه، وحلول جذرية تضمن تحقيق حالة من الرضا العام لحالة التصدي الحقيقي للممارسات والسلوكيات الخطأ المؤدية لتآكل احترام الجميع لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني في ظل حالة تفشي الفساد.
الفساد.. فوضى وكساد
فالفساد كان وما زال ظاهرة مستشرية ومستمرة لممارسات غير مشروعة تنعكس تأثيراتها على مجمل العملية التنموية، التي تؤدي إلى (زيادة حجم البطالة، وانتشار الفقر، ورفع معدل الجريمة _ شعور المواطن بعدم إحقاق الحق والعدالة) ما أدى إلى تنامي النقمة من المجتمع النظام الحاكم والسلطة في الأراضي الفلسطينية، ما يضعف نظام ومبدأ النزاهة في المجتمع الوطني وعدم تحقيق مبدأ التنمية المستدامة والشاملة، وبذلك وصل الاقتصاد الوطني إلى أدنى مستوياته من ضعف الحالة الشرائية في الأسواق، وقلة التداول المالي والتجاري، فغالباً صورة الفساد تأتي على شكل معاملات، التي يسعى من خلالها صاحب المصلحة إلى إنجاز معاملاته وعدم توقفها، فبهذا الدور والتماشي مع الحالة العامة ليكون صاحب المصلحة بمنأى عن التجاذبات مع مقدمي الخدمات، وبذلك يصل المجتمع إلى ذروة الفوضى والكساد.
نعم لحفظ الحقوق.. ولا للفســــــــــــاد
فالواقع الفلسطيني ليس بمنأى عن ظاهرة الفساد نظراً لتآكل منظومة الحد من هذه الجريمة على المستوى الرسمي والأهلي ويعود ذلك إلى ثلاثة أمور وهي:
• منظومة الأخلاق لدى العاملين في القطاعين العام والخاص من المؤسسات الحكومية والأهلية وفقدان الوعي المجتمعي.
• القوانين الناظمة للحد من جريمة الفساد وملائمة اللوائح ومدونات السلوك مع تطبيق هذه القوانين.
• إسهامات الاحتلال الإسرائيلي في تفشي حالة الفساد داخل المجتمع الفلسطيني.
ولعل أهم الحقوق المجتمعية المنتهَكة في الأراضي الفلسطينية نابعة من عدم الإنصاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، وضعف الحوكمة في تقديم الخدمات للمواطنين في شتى المجالات، ومنها الصحية، التي تظهر جلية في توريد الأدوات والمعدات الصحية والعلاجية اللازمة ضمن مقومات العمل الصحي، ومنها أيضا التعليم، الذي تظهر معالمه في أزمة الخريج الجامعي، ومنها الاقتصادية الاجتماعية التي تتمثل في الشباب وأزمة الزواج، وكذلك في إنصاف ذوي الاحتياجات الخاصة في توفير مقومات الحياة الكريمة لهم، وصولاً لحالة الترابط بين تغلغل الفساد وعلاقته باغتراب الشباب الفلسطيني والمتمثل بــ(الاغتراب الاجتماعي _ الاغتراب الإبداعي _ الاغتراب السياسي _ الاغتراب عن الذات)، لذلك يجب زيادة حالة الوعي والتثقيف داخل المجتمع للوصول إلى الجرأة في تمسك الجميع بحقوقه وصونها والاستماتة في الدفاع عنها منعاً لتمادي المفسدين في سلوكياتهم وطغيانهم على الحقوق وإهدارها.
الحلول والمعالجة.. مسؤولية تشاركية
بناءً على ما تقدم فإن الحد من ظاهرة وجريمة الفساد يتطلب جهوداً مضنية ودورا تكامليا تشاركيا بين الجهات الرسمية والأهلية والمجتمعية والتي نوصي بها من خلال:
الاهتمام بأهم وكالات التنشئة الاجتماعية المتمثلة بالأسرة والمدرسة والمسجد، لتوفير مناخ مناسب لعملية تربوية اجتماعية سليمة.
تكريس الجهود الحكومية والمؤسساتية لتوفير أقصى فرص عمل لاستثمار طاقات الشباب الفلسطيني واستثمار كفاءاتهم.
ضرورة تشكيل وعي اجتماعي بالظواهر الاجتماعية التي تهدد بنية المجتمع الفلسطيني عن طريق الندوات وورش العمل لفئات الشباب وخاصة في المدارس والجامعات وكذا دور العبادة.
تشجيع الشباب على إقامة مشروعات صغيرة، وإزالة ما يعترضهم من عقبات إدارية وحكومية، ما يحقق لهم مركزاً ودخلاً يكفلان لهم حياة كريمة ومستوى معيشياً مناسباً.
دعوة الأطراف الفلسطينية والفرقاء السياسيين الفلسطينيين إلى توحيد الموقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، ودفع الجهود لخدمة القضية بعيداً عن الفئوية والحزبية أو الأهداف الشخصية، مع ضرورة إنهاء الصراع والانقسام الداخلي الفلسطيني.
الاهتمام بالوازع الديني الذي يربط الفرد بربه وتعاليم دينه الحنيف التي بدورها تحقق الرضا والطمأنينة وراحة البال وتبعد الفرد عن الطمع والجشع وبالتالي عن الفساد.