لقد أجرمت هيئة الأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني عندما أصدرت قرارًا من جمعيتها العامة في 29 نوفمبر 1947م يحمل رقم 181 ويوصي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على 56,47% ودولة عربية على 42,88% وتدويل القدس في منطقة مساحتها 0,65% مع إنشاء اتحاد اقتصادي بين الأقاليم الثلاث. وقد أعلن الشعب الفلسطيني في حينه، ولسنوات تلت، رفضه القاطع لهذا القرار الجائر، حتى قام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في 15/11/1988م بإعلان قبوله بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، واستند إلى قرار 181 لشرعنة خطوته بإعلان استقلال فلسطين. وهكذا انقسم الموقف الفلسطيني من بعد وحدته على رفض الحلول الاستسلامية ورفض القرارات الدولية الظالمة، ليصبح هناك فريق يتشبث بتلك القرارات والحلول، وفريق آخر استمر في مناهضتها.
إن جريمة اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بقرار تقسيم فلسطين أخطر ألف مرة من جريمة الأمم المتحدة في إصدار القرار، للأسباب التالية:
1- لا تملك الأمم المتحدة أرض فلسطين، وبالتالي فقرارها غير قانوني وغير شرعي، وفقط هم أصحاب الأرض الذين يملكون ذلك، وبالتالي فقد منحت منظمة التحرير الفلسطينية، شرعية لهذا القرار، وهذا أخطر ما في الأمر.
2- صدر قرار 181 كتوصية غير ملزمة، فهو بحاجة إلى جهة مسئولة تلتزم بتنفيذه، وهذا ما قامت به بريطانيا آنذاك، وهو ما قامت به منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1988م، ولم تكن المنظمة مضطرة لفعل ذلك، بل كان فعلًا طوعيًا نابعًا عن تغيير في قناعاتها، بأن الطريق إلى فلسطين لم يعد يمر عبر الكفاح المسلح وإنما عبر الحلول السلمية والقرارات الدولية.
3- كان الشعب الفلسطيني موحدًا تجاه رفض الاحتلال ورفض التقسيم، حتى قسمت منظمة التحرير الشعب الفلسطيني بين مؤيد للتقسيم ورافض له، وتطور هذا الانقسام إلى المشهد الذي يعانيه شعبنا الفلسطيني في السنوات الأخيرة.
4- رغم اعتراف منظمة التحرير بقرار التقسيم إلا إنها لم تطلب من المجتمع الدولي تمكينها من المساحة التي قررها للعرب وهي 42,88% من فلسطين، وإنما اتخذت مدخلًا لفكرة دولتين في فلسطين، ثم استندت إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967م الذي تحدث عن أراضٍ احتلها (إسرائيل) في ذلك العام، وهي أراضي عام 67، وبالتالي فقد فرطت منظمة التحرير بالحق الفلسطيني مرتين؛ الأولى عندما قبلت مبدأ تقسيم الأرض الفلسطينية، والثانية عندما تنازلت عن حدود التقسيم ذاتها وقبلت بنصفها وهي حدود 67 (22% من فلسطين).
إن الخطيئة التاريخية التي ارتكبتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية فاقت خطيئة الأمم المتحدة، وعليها الاعتذار للشعب الفلسطيني، ولشهدائه الذي سقطوا مدافعين عن كامل الأرض الفلسطينية، وجرحاه وأسراه. ويقتضي هذا الاعتذار التراجع الكامل عن كل مسار التسوية، وعن كل اعتراف بقرارات دولية لم تنصف الفلسطينيين، وأضاعت حقوقهم كلها أو بعضها. وإن أي إصلاح يُرتجى لمنظمة التحرير عليه أن يعالج هذه الخطيئة الكبرى التي ارتكبها السابقون، ودفع الشعب الفلسطيني ثمنها غاليًا من حقوقه وأرضه ودم شهدائه وأعمار أسراه ومعاناة جرحاه، ولا يضيع حقٌ وراءه مُطالِب.