جاء الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في الأمم المتحدة مشبعًا بالتهديد الصريح، لا الضمني، الموجه لإيران، مع اقتراب دخولها إلى النادي النووي العالمي، وفق المعطيات التي دأبت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على تسريبها في الآونة الأخيرة، إذ لم يعد الحديث عن شهور أو سنوات، بل عن أسابيع معدودة.
هذا التقدير الذي يتزايد الحديث بشأنه أخيرًا يقرب من فرضية كسر الاحتكار النووي الإسرائيلي، وهو أحد أعمدة النظرية الأمنية الإسرائيلية التي قامت منذ أكثر منذ سبعة عقود، ويضع تحديات كبيرة أمام دولة الاحتلال، ومعضلات غير متوقعة من قبل في كيفية التعاطي مع هذا السيناريو.
لم يقتصر الأمر على بينيت فقط، بل امتد إلى باقي الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي طالبت باتخاذ خطوات عملية عاجلة وطارئة، للحيلولة دون تحقق هذا الكابوس، الأمر الذي سيجعل دولة الاحتلال في متناول التهديدات التي تشكلها الدول والقوى والمنظمات المعادية لها، بعيدًا عن تخويفهم بالقنبلة النووية التي غالبًا ما شكلت العصا التي تلوح بها أمام تلك التهديدات.
أكثر من ذلك؛ تجاوز التهديد (تل أبيب)، وأوساطها الرسمية والأمنية والإعلامية وصولًا إلى ما وراء البحار، حين بدأت تصدر عن واشنطن تهديدات مشابهة، وأحاديث لم يتحقق منها بعد عن التحضير للجوء إلى الخطة "ب" في التعامل مع إيران، رغم أن ما صدر في بداية عهد بايدن من إشارات تبدو إيجابية في ظاهرها، وتجسد ذلك في استئناف المفاوضات بشأن إنجاز اتفاق نووي جديد.
وقد شكلت إعادة التموضع الأمريكية تجاه إيران، بما يقترب من التوجه الإسرائيلي، فضلًا عن كونها انحيازًا للكيان؛ إنجازًا إسرائيليًّا في القدرة على تقريب الموقف الأمريكي منه، دون ضجيج أو تحدٍّ أو ابتزاز، كما دأب نتنياهو على القيام به أمام أوباما في حينه، ما شكل شرخًا كبيرًا في علاقات الجانبين.
رغم كل ما تقدم من معطيات وإشارات وتحذيرات، واشنطن و(تل أبيب) كلتاهما تدركان أكثر من سواهما أن إمكانية تنفيذ تهديداتهما ضد طهران، بغض النظر عن طبيعة هذا التهديد، وإمكانية تحوله إلى سلوك عسكري عملياتي على الأرض؛ لا تضمن ألا تتدحرج الأمور إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق.
هذه المواجهة التي تتحسب لها دولة الاحتلال تتمثل في دخول عدة جبهات في آن واحد على خط المعركة من جهة، وتجعل الجبهة الداخلية الإسرائيلية مستباحة من مختلف الحدود، لا سيما الشمالية والجنوبية، من جهة أخرى، والأهم من ذلك أنها قد لا تضمن تحقيق الهدف المرجو منها من جهة ثالثة.