حالة من العزلة السياسية، يراها مراقبون بدأت تحيط برئيس السلطة محمود عباس خلال الفترة الحالية، إذ بات الرجل الثمانيني من وجهة نظر هؤلاء، في مواجهة سياسية ليس مع حماس فحسب، بل مع الجبهة الشعبية، والجهاد الإسلامي، وتيار خصمه اللدود القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
كما أن للرجل خلافات مع القيادي الأسير مروان البرغوثي، ويحاط بحالة من السخط الشعبي بعد الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة، والتي مثلت "عربوناً" سياسياً تلبية لشروط الإدارة الأمريكية للبدء بمفاوضات التسوية المتعثرة.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس د.خليل الحية، قد أكد في لقائه بوسائل إعلامية، الاحد الماضي، أن وفد حماس الذي زار مصر مؤخرا اجتمع مع فريق دحلان، مشيرا إلى أنه ليس اللقاء الأول بين الجانبين وسبقه عدة لقاءات على مدار الأعوام الستة الماضية.
ولفت إلى أن حماس تريد العمل مع كل مكونات الشعب الفلسطيني بما يخدم قضيتنا الوطنية ويخفف المعاناة عن غزة.
تجاوز عباس
في هذا الجانب يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الفلسطيني إبراهيم المدهون: "إن عباس قطع شعرة معاوية مع فصائل العمل الوطني وحماس بشكل خاص لهذا عبر الحية بأن التعامل مع عباس وصل لدرجة من اليأس، بفعل التهديدات التي أطلقتها والتي تبعها بإجراءات مست قطاع الصحة والكهرباء وقطع مخصصات الأسرى والنواب، فضلا عن الصمت أمام وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحماس "إرهابية" خلال القمة العربية الخليجية الأخيرة".
وأضاف المدهون لصحيفة "فلسطين": "كل ذلك سد الطريق أمام استعادة حماس للوئام مع عباس"، مبينا أن ما عزز ذلك، الإشكاليات التي افتعلها داخل البيت الفتحاوي غير المجمع عليه، سواء من تيار البرغوثي أو دحلان، إثرها تحولت تلك لإشكاليات من البعد التنظيمي إلى البعد الوطني الذي يمس جوهر القضية الفلسطينية.
ورأى أن حماس تجاوزت الحديث مع عباس إلى أن يعود عن جميع خطواته الأخيرة، مستدركا: "حتى لو عاد عن تلك الإجراءات العقابية لن تقبل حماس بأن تتحدث معه منفردا، دون إشراك الكل الوطني والفتحاوي، لكي تكون ضامنة لاحتواء الوطن".
كما رأى المدهون أن عباس أضحى معزولا داخليا رغم أنه ما زال يتكئ على الدعم الإسرائيلي والأمريكي الهادف لفصل الضفة عن غزة بسياسات إقصائية، منوهاً إلى أن نجاح عباس بذلك لا يعني تمتعه بدعم أمريكي وإسرائيلي مطلق لاحقا.
وذهب إلى القول "عباس يعيش أسوأ عزلة سياسية وخاتمة سيئة مقارنة بخاتمة الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي اعتمد على الدعم الجماهيري الفلسطيني والفصائلي، وهذه العزلة مصحوبة بحالة من السخط الشعبي لاسيما في غزة نتيجة سياساته العقابية".
رغبة مصرية
وعد المدهون مباحثات القاهرة "انعكاسا لرغبة النظام المصري بإشراك دحلان بالوضع السياسي الفلسطيني، وفي نفس الوقت حماس معنية بالقاهرة كلاعب سياسي مؤثر في الملف الفلسطيني.
ومضى يقول "ترتيب الأوراق مع دحلان تمهيد لترتيبها بشكل عام لأن العقبة هو عباس (...) قواعد اللعبة تغيرت ولم تعد حماس مهتمة بالاعتراف بشرعية عباس".
ويرى المحلل الفلسطيني أن تخوفات الشارع من سيناريوهات ما قبل 2007 مبررة "ولكن يبدو أن دحلان يقدم مبادرات تطمينية كثيرة لحماس مما يجعلها تقفز عن كل التساؤلات والتخوفات التي يطرحها الشارع".
وكان الحية أكد أن لقاءات حماس مع فريق دحلان، بحثت سبل تحقيق المصالحة المجتمعية بين أهالي ضحايا أحداث الانقسام الفلسطيني، وقال: "إن حماس وصلت لمرحلة من اليأس في تعاطي عباس مع المصالحة".
لا بديل
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة، بأن هناك قدرا من العزلة السياسية التي يعيشها عباس ولكنها ليست كاملة "لأن أمريكا والاحتلال والدول العربية التي تسير في ركب التسوية السلمية والاعتدال، ليس لديها بديل عن عباس".
وقال عمايرة لصحيفة "فلسطين": " عباس يزداد عصبية ومزاجية ويصيبه الاعتلال يوما بعد آخر في التعامل مع الوضع الفلسطيني الداخلي، خاصة أن الذين يحيطون به يريدون أن يقتنصوا لأنفسهم مساحة من التأثير بعد وفاته".
واعتبر أن وضع عباس صعب بسبب فشل آخر الجهود السياسية التي قام بها مع ترامب، لأن الرفض الإسرائيلي سيد الموقف، وإدارة ترامب غير قادرة على تغيير العناد الإسرائيلي الذي يتحكم فيه المتطرفون الإسرائيليون.