فلسطين أون لاين

تقرير أطفال غزة بين الحضانات المكتظّة والخيام الباردة.. معركة بقاء في وجه الموت

...
أطفال غزة بين الحضانات المكتظّة والخيام الباردة.. معركة بقاء في وجه الموت
غزة/ عبد الرحمن يونس:

في زاوية إحدى حضانات الأطفال القليلة المتبقية في قطاع غزة، يرقد الرضيع يزن المقادمة، الذي لم يُكمل شهره الثالث بعد، بعدما وُلد في الأسبوع السادس والعشرين من الحمل. جسده الهشّ يتشبث بالحياة في وقت تتراجع فرص النجاة يومًا بعد يوم بفعل النقص الحاد في الحضانات والمستلزمات الطبية الضرورية.

يقول والد المقادمة لصحيفة "فلسطين": "نعيش على أعصابنا كل يوم. نخشى أن يتعرّض يزن لأي عدوى أو مضاعفات بسبب العدد الكبير من الأطفال في الحضّانة الواحدة، وقلة الأجهزة الطبية… الخوف لا يفارقنا".

وليست مأساة يزن استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تجسّد واقع الطفولة في غزة، حيث تتقاطع الكارثة الصحية مع النزوح والفقدان والفقر وانقطاع التعليم.

طفولة على حافة الخوف

في خيمة مزدحمة تتسلّل إليها رياح الشتاء، تعيش الطفلة ليان العروقي (8 أعوام) برفقة والدتها، بعد أن فقدت والدها خلال الغارات. تقول ليان بصوت امتزج فيه الخوف بالبراءة لـ"فلسطين": "أخاف كثيرًا… أحيانًا لا أذهب إلى المدرسة، لأن الطريق خطير، وأحيانًا لا أجد من يرافقني".

مشاعر الخوف والحرمان أصبحت رفيقة يوميًا لعشرات آلاف الأطفال في قطاع غزة، في وقت انهارت فيه منظومة الحماية الاجتماعية والصحية والتعليمية.

حضّانات يتقاسمها خمسة رُضّع

في مستشفى الحلو المخصّص للأطفال، يروي الطبيب طلال الشوا واقعًا صعبًا يعيشه الأطفال الخدّج.

يقول الشوا لـ"فلسطين": "في السابق كان طفلان فقط يشتركان في حضّانة واحدة، ثم ارتفع العدد إلى ثلاثة، واليوم وصلنا إلى خمسة أطفال في الحضّانة نفسها… لم يتبق لدينا سوى 36 حضّانة فقط، بعدما كان عددها 126 قبل أكتوبر 2023".

ويحذّر الشوا من أن هذا الاكتظاظ الكبير يرفع خطر العدوى بشكل خطير، خصوصًا مع ضعف المناعة لدى الأطفال الخدّج، الذين لم تكتمل بعد أنظمتهم الحيوية.

يرتبط تصاعد الولادات المبكرة أيضًا بسوء التغذية بين النساء الحوامل. ويوضح الدكتور الشوا: "عدد كبير من الحوامل يعانين فقر دم وسوء تغذية، ويفتقرن إلى مياه نظيفة ورعاية طبية أولية… كثير من المضاعفات نكتشفها بعد فوات الأوان".

ولا تقف المعاناة عند حدود الولادة، بل تمتد إلى نقص حليب الأطفال، وطول الفترات بين تغيير الحفاضات بسبب شحّ المستلزمات، ما يؤدي إلى التهابات جلدية ومضاعفات صحية إضافية.

ويضيف: "نحاول التخفيف باستخدام تقنية التعشيش ببطانيات بسيطة لتثبيت الأطفال وتحسين استقرارهم العصبي… لكن الإمكانيات محدودة جدًا".

نداء إنساني عاجل

تؤكد "يونيسف" أن أكثر من 9 آلاف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وأن آلاف الأطفال محرومون من التعليم في ظل استمرار النزوح والخطر اليومي.

كما أشارت إلى أن الأطفال خلّفت الحرب في أجسادهم ونفوسهم ندوبًا دائمة، من إعاقات وتقزّم وصدمات نفسية يصعب علاجها لاحقًا دون تدخل عاجل ومستدام.

ويختتم الدكتور الشوا حديثه بالقول: "الولادة كانت لحظة أمل، أما اليوم فهي لحظة خوف… ومع ذلك، نواصل العمل تحت الضغط وبأبسط الإمكانيات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

تحذيرات دولية من كارثة غير مسبوقة

من جانبها، حذّرت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، تيس إنغرام، من تفاقم الكارثة الإنسانية التي تهدّد حياة الأطفال في غزة، مؤكدة أن العامين الماضيين خلّفا آثارًا "غير مسبوقة ومدمّرة" على صحتهم الجسدية والنفسية، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.

وقالت إنغرام في بيان صحفي إن أعداد الأطفال الذين قُتلوا أو أُصيبوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي "تفوق الوصف"، مشيرة إلى أن "عشرات الأطفال كانوا يُقتلون يوميًا"، فيما خضع المئات لعمليات بتر أو جراحات خطيرة، وأنها التقت أطفالًا مبتوري الأطراف يعانون آلامًا نفسية وجسدية عميقة.

وأوضحت أن نصف مستشفيات القطاع تعمل بشكل جزئي وبإمكانات محدودة للغاية، في وقت يحتاج فيه أكثر من 4 آلاف طفل إلى إجلاء طبي عاجل خارج غزة.

وأضافت أن وتيرة الإجلاء خلال العامين الماضيين كانت "بطيئة للغاية"، مؤكدة أن ما تحقق خلال فترات التهدئة "لا يرقى إلى حجم الاحتياجات الهائلة".

ودعت (إسرائيل) إلى فتح جميع المعابر والسماح بإدخال الإمدادات الطبية والغذائية، والسماح بخروج الأطفال المصابين للعلاج، معتبرة أن غياب الإرادة السياسية يعرقل إنقاذ آلاف الأرواح، رغم جاهزية مستشفيات في دول عدة لاستقبال الحالات.

في غزة، يولد الأطفال اليوم في عالم بلا حماية، ويكبرون سريعًا داخل الألم، بينما يطالب الواقع المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية لإنقاذ طفولة على شفا الاندثار.

 

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين